الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم التنقل بين المذاهب الفقهية

السؤال

لقد سمعت معلومة من أحد أساتذتي وأريد التأكد منها من سيادتكم: وهي أنني عندما أقوم باتباع أحد المذاهب الأربعة في الوضوء يجب علي اتباع جميع ما قاله هذا المذاهب فيما يخص جميع أركان الوضوء بمعنى أنه لا يجوز أن آخذ ما قاله الشافعي في غسل الوجه وما قاله الحنفية في غسل الشعر وهكذا، بل يجب أن آخذ جميع ما قاله الشافعية، ولذلك فطبقا لكلام أستاذي فإنه عند وضوء أي شخص يجب اتباع مذهب بذاته في جميع ما قاله، فلا يجوز مثلا لأحد الأشخاص أن يغسل جميع رأسه طبقا لمذهب الماكية وفي نفس الوقت يتبع مذهب الحنفية في عدم غسل ما زاد من اللحية عن الجلد، وكذلك يقوم بغسل وتدي الأذن وليس مسحهما طبقا لكلام المالكية، أو أن يكون متبعا لمذهب الشافعي في النية والترتيب ومسح جزء من الرأس ولكن لا يقوم بغسل أسفل الذقن طبقا لبقية المذاهب الثلاثة، أو يقوم بمسح وتدي الأذنين ولا يغلسهما على اعتبار أنهما من الرأس وليس الوجه طبقا لكلام المالكية، وذلك أيضا ينطبق على قول المذاهب في نواقض الوضوء، فإذا اتبعت مذهبا بذاته يجب أن أتبعه في أركان الوضوء ونواقض الوضوء الذي قالها هذا المذهب، ولا يجوز أن آخذ ما أراه مناسبا في كل مذهب على حدة، فهل هذا الكلام صحيح؟ أم الفرد له الحرية في اختيار ما يناسبه من كل مذهب على حدة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فينبغي للمسلم أن يكون مقتديا بالنبي صلى الله عليه وسلم في سائرعبادته وفي كيفية الوضوء المنقولة في السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، كما سبق أن أوضحناها في الفتوى رقم: 7503.

ولا حرج على العامي في اتباع مذهب من المذاهب المتبعة، وإن توضأ طبقا لمذهب معين ثم عمل في وضوئه أمرا مخالفا لذلك المذهب لكنه صحيح في أحد المذاهب المعتبرة الأخرى فهذا هو التقليد الملفق، كمن توضأ مثلا ومسح شعرات من رأسه مقلدا للشافعي، ثم لمس ذكره بيده مقلدا لأبي حنيفة فهو غير جائز لدى الكثير من أهل العلم، وهذا هو الأحوط لا سيما إن كان الغرض منه تتبع الرخص، وقد أجاز بعض أهل العلم هذا النوع من التلفيق ولكن الأحوط تركه كما قدمنا، ففي مطالب أولي النهى على شرح غاية المنتهى في الفقه الحنبلي: اعلم أنه قد ذهب كثير من العلماء إلى منع جواز التقليد حيث أدى إلى التلفيق من كل مذهب، لأنه حينئذ كل من المذهبين أو المذاهب يرى البطلان كمن توضأ مثلا ومسح شعرة من رأسه مقلدا للشافعي ثم لمس ذكره بيده مقلدا لأبي حنيفة فلا يصح التقليد حينئذ، وكذا لو مسح شعرة وترك القراءة خلف الإمام مقلدا للأئمة الثلاثة أو افتصد مخالفا للأئمة الثلاثة ولم يقرأ مقلدا لهم، وهذا وإن كان ظاهرا من حيث العقل والتعليل فيه واضح لكنه فيه حرج ومشقة خصوصا على العوام الذي نص العلماء على أنه ليس لهم مذهب معين، وقد قال غير واحد: لا يلزم العامي أن يتمذهب بمذهب معين كما لم يلزم في عصر أوائل الأمة، والذي أذهب إليه وأختاره القول بجواز التقليد في التلفيق لا بقصد تتبع ذلك، لأن من تتبع الرخص فسق، بل حيث وقع ذلك اتفاقا خصوصا من العوام الذين لا يسعهم غير ذلك، فلو توضأ شخص ومسح جزءا من رأسه مقلدا للشافعي فوضوؤه صحيح بلا ريب، فلو لمس ذكره بعد ذلك مقلدا لأبي حنيفة جاز ذلك، لأن وضوء هذا المقلد صحيح ولمس الفرج غير ناقض عند أبي حنيفة فإذا قلده في عدم نقض ما هو صحيح عند الشافعي استمر الوضوء على حاله بتقليده لأبي حنيفة وهذا هو فائدة التقليد، وحينئذ فلا يقال الشافعي يرى بطلان هذا الوضوء بسبب مس الفرج والحنفي يرى البطلان لعدم مسح ربع الرأس فأكثر، لأنهما قضيتان منفصلتان، لأن الوضوء قد تم صحيحا بتقليد الشافعي ويستمر صحيحا بعد اللمس بتقليد الحنفي، فالتقليد لأبي حنيفة إنما هو في استمرار الصحة لا في ابتدائها وأبو حنيفة ممن يقول بصحة وضوء هذا المقلد قطعا فقد قلد أبا حنيفة فيما هو حاكم بصحته، وكذا لو قلد العامي مالكا وأحمد في طهارة بول وروث ما يؤكل لحمه، وكان قد ترك التدليك في وضوئه الواجب عند مالك أو مسح جميع الرأس مع الأذنين الواجب عند أحمد، لأن الوضوء صحيح عند أبي حنيفة والشافعي والتقليد في ذلك صحيح، والروث المذكور طاهر عند مالك وأحمد. انتهى.

وانظر حكم تتبع الرخص الشرعية في الفتوى رقم: 140418.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني