الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدلائل العقلية والنقلية على وجود الجنة والنار

السؤال

هل هنالك من ذهب للموت أي توفي ثم رجع ليخبرنا أن هنالك جنة ونارا أريد إثباتا حقيقيا 000فالنبي إبراهيم قد طلب توثيقا من الله وأنا أعلم أن الإجابه موجودة في القرآن ولكن حتى يطمئن قلبيوالسلام عليكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فللجواب على السائل نقول: إن المسلم يجب ألا يحتاج - لكي يؤمن بالجنة والنار- إلى أن يعود أحد الموتى ليخبرنا بما رأى بعد موته.
فيكفي المسلم أن الصادق المصدوق الذي زكى الله فؤاده وبصره عن الزيغ والطغيان والكذب والبهتان، ذهب إلى ذلك العالم ورأى ما أعده الله لأهل الجنة من النعيم المقيم، وما أعده الله لأهل النار من الخزي والعار، ثم رجع ليخبرنا بما رأى تفصيلاً وإجمالاً.
ورؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم أوثق عندنا من رؤية أنفسنا، لو أتيح لنا رؤية ذلك، ورحم الله أحد السلف إذ قال يوماً لأصحابه: رأيت الجنة والنار حقيقة في الدنيا!!
فقالوا: كيف رأيتهما ؟؟ قال رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعينا رسول الله أوثق عندي من عيني رأسي.

أما ما طلبه السائل من إثبات حقيقي على وجود الجنة والنار، فالجنة والنار لا توجدان في عالم الشهادة حتى يثبت وجودهما مادياً، لكنهما في عالم الغيب، والإيمان بهما إيمان بالغيب، وعندنا من دلائل هذا الإيمان ما يزيد على الإثباتات المادية، الحسية.
وبيان ذلك: أن إيماننا بهما فرع عن الإيمان بالله، فإن العدل الإلهي المطلق يأبى أن يخلق هذا العالم ليكون مسرحاً للمآسي والظلم والهمجية، ثم ينقضي بدون أن يقتص للمظلوم من ظالمه وللمقتول من قاتله، وينتهي الأمر بهذه الصورة، فلا المحسن يثاب ولا المسيئ يعاقب، هذه صورة تبعث على اليأس والقنوط والكفر والفجور، إذاً فلا بد من يوم يقيم فيه الإله الحاكم العدل موازين الحق وقسطاس العدل بين عباده فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:8].
وكذلك المؤمن ينفي عن الله العبثية كما نفاها عن نفسه سبحانه:أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115]، ونفي العبثية عن الحكمة الإلهية يعني أن الله لم يخلق الإنسان هملاً لا يؤمر ولا ينهى، وبالتالي لا يحاسب ولا يجازي.
والإيمان بالجنة والنار فرع عن الإيمان بالقرآن وأنه كلام الله، وفيه من الحديث عن الجنة والنار وما فيهما من النعيم والعذاب المادي والمعنوي، وفيه إيراد الأدلة الكثيرة والبراهين العديدة على البعث والنشور وما يلحق ذلك من الحساب والجزاء، فمن ذلك دلالة النشأة الأولى على النشأة الآخرة:فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الإسراء:51]
ومنها دلالة الأطوار الإنسانية والنباتية، كما قال تعالى:يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ [الحج:5]، فالله الذي قدر على أن ينقل الإنسان من حال إلى حال ومن طور إلى طور، هو نفسه قادر على خلقه في طور جديد، في نعيم مقيم أو عذاب أليم.
والإيمان بالجنة والنار، فرع من الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا آمنا بأن محمداً رسول الله وصدقناه، صدقنا بكل ما جاءنا به من عند الله من أخبار وأوامر ونواهي، ومما أخبرنا به الجنة والنار وأحوالهما، وأحوال أهل كل واحدة منهما.
وهنا كلمة نقولها للسائل: وهي أن أهل الأديان جميعاً (السماوية أصلاً) وإن اختلفوا في أشياء كثيرة إلا أنهم متفقون على الجنة والنار وإن اختلفت الأسماء، وغير أهل الأديان من ملاحدة ودهريين لا يملكون دليلاً ولا ربع دليل على إنكار ذلك، ولذا سمى القرآن ما قالوه وادعوه في هذا الباب ظناً:وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثـية:24].
وأنصح السائل بقراءة كتاب الإسلام يتحدى لوحيد الدين خان الباب الخامس دليل الآخرة.
كما ننبه السائل إلى أنه ينبغي له أن يعلم أن الهداية بيد الله، وكم من قوم ظهرت لهم آيات بينات وأوتوا معجزات ظاهرات باهرات قاطعة لدابر الشك، ومع ذلك حرموا التوفيق والهداية، فمن وضح له الحق في أول الأمر فليحمد الله أن هداه، وليسأله المزيد من التوفيق واليقين، وليتدبر قول الله جل وعلا:وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ*وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأنعام:110]، وقوله أيضاً:وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً [فاطر:42].
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني