الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجوب التسليم لحكم الله تعالى بلا اعتراض واعتقاد حكمته في كل ما قضاه

السؤال

ماحكم قول: كنت لا أتمنى أن يحصل اتسونامي اليابان، لأنهم لايستحقون ذلك، ولكن مشيئة الله هي الأول والآخر؟ وهل فيها اعتراض ولا تجوز؟ وهل القول بالمشيئة يحلل الجملة؟ وجزاكم الله خيرا وبارك فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما أقبح هذا الكلام وما أشد نكارته، فهو اعتراض صريح على تصرف الرب تعالى وما قضى به، واتهام له بالظلم والسفه وأنه يضع الأشياء في غير مواضعها ويعاقب من لا يستحق العقوبة، ورد الأمر إلى مشيئته لا يزيل نكارة هذا الكلام، لأن خلاصته أن هذه مشيئة مجردة عن الحكمة والمصلحة، واعتقاد أن مشيئته تعالى اقتضت خلاف ما كان ينبغي أن يقع، وهذا من سوء الظن بالله تعالى، فإنه تعالى أحكم الحاكمين وأعدل العادلين لا يقدر شيئا إلا لحكمة ومصلحة، وقد تعجز العقول عن إدراك حكمته تعالى فعليها أن تسلم وتوقن بأنه تعالى لا يفعل شيئا عبثا ولا يقدر شيئا سدى، فالله تعالى على صراط مستقيم فقضاؤه كله عدل ولا يفعل سبحانه خلاف ما تقتضيه الحكمة البتة، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في الكلام على قوله صلوات الله عليه في الدعاء المشهور: ماض في حكمك عدل في قضاؤك ـ تضمّن هَذَا الْكَلَام أَمريْن أَحدهمَا مضاء حكمه فِي عَبده وَالثَّانِي يتضمّن حَمده وعدله وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهَذَا معنى قَول نبيّه هود: مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ـ ثمَّ قَالَ: إِنَّ رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم ـ أَي مَعَ كَونه مَالِكًا قاهراً متصرّفا فِي عباده نواصيهم بِيَدِهِ فَهُوَ على صِرَاط مُسْتَقِيم وَهُوَ الْعدْل الَّذِي يتصرّف بِهِ فيهم فَهُوَ على صِرَاط مُسْتَقِيم فِي قَوْله وَفعله وقضائه وَقدره وَأمره وَنَهْيه وثوابه وعقابه فخبره كُله صدق وقضاؤه كلّه عدل وَأمره كُله مصلحَة وَالَّذِي نهى عَنهُ كُله مفسدة وثوابه لمن يسْتَحق الثَّوَاب بفضله وَرَحمته وعقابه لمن يسْتَحق الْعقَاب بعدله وحكمته، وقوله: عدل في قضاؤك ـ يتَضَمَّن جَمِيع أقضيته فِي عَبده من كل الْوُجُوه من صِحَة وسقم وغنى وفقر ولذّة وألم وحياة وَمَوْت وعقوبة وَتجَاوز وَغير ذَلِك: قَالَ تَعَالَى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فِبمَا كسبت أَيْدِيكُم ـ وَقَالَ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْأِنْسَانَ كفور ـ فَكل مَا يقْضى على العَبْد فَهُوَ عدل فِيهِ. انتهى.

فليتب إلى الله تعالى من قال هذا الكلام القبيح وليوطن نفسه على التسليم لحكم الله واعتقاد حكمته في جميع أقضيته فلا يعترض على شيء من أفعال الحكيم الخبير تبارك وتعالى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني