الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

في مسيرتي البحثية عن حقيقة حكم الشرع في تهذيب الحواجب أرسلت لكم مسبقا رابطا للدكتور عجيل عن مذاهب الأئمة الأربعة في حكم النمص، فجاءني الرد أن منهم من أجازه فقط أجازه للزوج فقط، ولكن حين عدت للرابط اختصرت مذاهبهم فيما يلي:
الحنفية: تجيز إن كان للزوج فقط.
المالكية: تجيز إلا من يحرم في حقها الزينة كالمعتدة.
الشافعية: تجيز بإذن الزوج ( وليس للزوج فقط)
دليل الجمهور: ما ورد عن عائشة في حكم الحفاف.
الحنابلة: حرام
الجوزي: جواز النمص (لم يذكر للزوج فقط)إلا للمدلولات التالية:فعل الفاجرات- التدليس- تغيير لخلق الله كالوشم.
د.عجيل: حرام النمص إلا أن يكون تهذيبا لما يشين - ولم يخص الزوج-
أرجو الافادة في مذاهب الأئمة في النمص, نفع الله بكم وأنار بالحق أبصاركم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيمكن القول إن ما ذكرت من اختصار لمذاهب أهل العلم في النمص صحيح في الجملة، وإليك بعضا من أقوالهم كما في بعض كتب المذاهب الأربعة:

فقد جاء في كتاب رد المحتار في الفقه الحنفي: "النَّمْصُ : نَتْفُ الشَّعْرِ وَمِنْهُ الْمِنْمَاصُ الْمِنْقَاشُ. ا هـ وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا فَعَلَتْهُ لِتَتَزَيَّنَ لِلْأَجَانِبِ ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ فِي وَجْهِهَا شَعْرٌ يَنْفِرُ زَوْجُهَا عَنْهَا بِسَبَبِهِ ، فَفِي تَحْرِيمِ إزَالَتِهِ بُعْدٌ ، لِأَنَّ الزِّينَةَ لِلنِّسَاءِ مَطْلُوبَةٌ لِلتَّحْسِينِ ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ لِمَا فِي نَتْفِهِ بِالْمِنْمَاصِ مِنْ الْإِيذَاءِ" .
وجاء في التاج والإكليل شرح مختصر خليل في الفقه المالكي: "وقال عياض: روي عن عائشة رخصة في جواز النمص وحف المرأة جبينها لزوجها، وقالت أميطي عنك الأذى"

وفي حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني شرح الرسالة في الفقه المالكي: "المُتَنَمِّصَةٍ وَهِيَ التي تَنْتِفُ الشعر ( شعر ) الْحَاجِبِ حتى يَصِيرَ دَقِيقًا حَسَنًا وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ على الْمَرْأَةِ الْمَنْهِيَّةِ عن اسْتِعْمَالِ ما هو زِينَةٌ لها كالمتوفي عنها وَالْمَفْقُودِ زَوْجُهَا فَلَا يُنَافِي ما وَرَدَ عن عَائِشَةَ من جَوَازِ إزَالَةِ الشَّعْرِ من الْحَاجِبِ وَالْوَجْهِ"

وقال النووي- وهو شافعي المذهب- في شرح مسلم: "وأما النامصة بالصاد المهملة فهي التى تزيل الشعر من الوجه، والمتنمصة التى تطلب فعل ذلك بها، وهذا الفعل حرام الا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالتها بل يستحب عندنا.. وأما قوله للحسن فمعناه يفعلن ذلك طلبا للحسن، وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب ونحوه فلابأس"

وجاء في كتاب الحاوي في الفقه الشافعي: "فَأَمَّا النَّامِصَةُ ، وَالْمُتَنَمِّصَةُ : فَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ الشَّعْرَ مِنْ حَوْلِ الْحَاجِبَيْنِ وَأَعَالِي الْجَبْهَةِ ، وَالنَّهْيُ فِي هَذَا كُلِّهِ عَلَى مَعْنَى النَّهْيِ فِي الْوَاصِلَةِ ، وَالْمُسْتَوْصِلَةِ" وقد ذكر قبل ذلك أنه يحرم للتدليس.. وأنه يجوز لذات الزوج أن تفعله للزينة فقال: "أَنْ تَكُونَ ذَاتَ زَوْجٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ لِلزِّينَةِ عِنْدَ زَوْجِهَا ، أَوْ أَمَةً تَفْعَلُ ذَلِكَ لِسَيِّدِهَا ، فَهَذَا غَيْرُ حَرَامٍ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ الزِّينَةِ لِزَوْجِهَا مِنَ الْكُحْلِ ، وَالْخِضَابِ ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : لُعِنَ السَّلْتَاءُ وَالْمَرْهَاءُ فَالسَّلْتَاءُ الَّتِي لَا تَخْتَضِبُ ، وَالْمَرْهَاءُ الَّتِي لَا تَكْتَحِلُ ، يُرِيدُ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ كَرَاهَةً لِزَوْجِهَا ، فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ زِينَةً لَهُ َ"

وفي المغني لابن قدامة -وهو حنبلي-: "فأما النامصة فهي التي تنتف الشعر من الوجه، والمتنمصة المنتوف شعرها بأمرها فلا يجوز للخبر، وإن حلق الشعر فلا بأس لأن الخبر إنما ورد في النتف نص على هذا أحمد".

وفي كتاب الإنصاف وكتاب الفروع وهما في الفقه الحنبلي: "ولا بأس بما يحتاج إليه لشد الشعر، وأباح ابن الجوزي النمص وحده وحمل النهي على التدليس، أو أنه شعار الفاجرات. وفي الغنية وجه يجوز النمص بطلب الزوج، ولها حلقه وحفه نص عليهما"

وجاء في الموسوعة الفقهية: "ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّنَمُّصُ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجَةِ ، وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجَةِ فِعْل ذَلِكَ إِذَا اُحْتِيجَ إِلَيْهِ لِعِلاَجٍ أَوْ عَيْبٍ ، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهِ تَدْلِيسٌ عَلَى الآْخَرِينَ . قَال الْعَدَوِيُّ : وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمَنْهِيَّةِ عَنِ اسْتِعْمَال مَا هُوَ زِينَةٌ لَهَا ، كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمَفْقُودِ زَوْجُهَا . أَمَّا الْمَرْأَةُ الْمُتَزَوِّجَةُ فَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا التَّنَمُّصُ ، إِذَا كَانَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ ، أَوْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ ؛ لأِنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ ، وَالزِّينَةُ مَطْلُوبَةٌ لِلتَّحْصِينِ ، وَالْمَرْأَةُ مَأْمُورَةٌ بِهَا شَرْعًا لِزَوْجِهَا . وَدَلِيلُهُمْ مَا رَوَتْهُ بَكْرَةُ بِنْتُ عُقْبَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ الْحِفَافِ ، فَقَالَتْ : إِنْ كَانَ لَك زَوْجٌ فَاسْتَطَعْتِ أَنْ تَنْتَزِعِي مُقْلَتَيْك فَتَصْنَعِيهِمَا أَحْسَن مِمَّا هُمَا فَافْعَلِي. صحيح مسلم بشرح النووي "

فعلم مما ذكر أن هذه الأقوال التي ذكرتِ في النمص عن الدكتور موجودة في كتب أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرها، والذي نفتي به هو تحريم النمص مطلقا إلا ما كان منه لإزالة ما زاد على المعتاد مما يعيب أو يشين ويشوه.

وسبق أن بينا ذلك وأدلته ومناقشة بعض أقوال أهل العلم فيه في جملة من الفتاوى، فراجعي ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 1007 136339، 102335، 75840، 134126، 8472، 22244.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني