الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أود الاستفسار عن هذه الحالة وحكم الشرع فيها: تزوج رجل من زوجة ثانية، واشترط عليها عدم الإنجاب منه أولا، وطلب منها إذا توفي وهي على ذمته أن لا تخبر أحدا بهذا الزواج، وأن لا تطالب بحصتها من الإرث بعد وفاته، فما حكم هذا التصرف أو الفعل في الشرع؟ وهل واجب الزوجة الالتزام بما طلب منها خاصة إذا نافى الشرع؟ وهل إذا كتب الوصية وخص بها زوجته الأولى وأولاده فقط يحق لها الطعن والمطالبة بحقها من الإرث؟ أم تنفذ الوصية كما هي ويضيع حقها في ذلك؟ وفي حال أنجبت منه أبناء فهل يرثون تلقائيا مثل إخوانهم من أبيهم؟ أم يتبعون ما كتب في الوصية ويحرم الأبناء مثل أمهم من الميراث؟ وإذا كانت الأم مطلقة، فهل يحصل الأولاد على شيء من الميراث إذا كانت الزوجة غير راضية بحكم عدم إنجابها وكتمان أمر زواجها منه حتى بعد وفاته والتنازل عن حقها أيضا في الميراث سواء بأولاد أو بدونهم؟ وهل تكون آثمة لو لم تطبق الوصية أو طلبات زوجها التي تعتبرها ظلما في حقها مثل أن تنجب منه رغما عنه وأن تعلن زواجهم بعد الوفاة وتطالب بحقها؟ مع العلم أنه لم ير سوى المحبة والاحترام والتقدير من هذه الزوجة، ولم تطالبه بأبسط حقوقها الزوجية من مسكن ومصرف وعدل في المبيت، لأنها تريد فقط الستر من رب العالمين، فما رأي الشرع في ذلك؟ وما هي نصيحتكم لها وأنتم أهل المشورة ـ إن شاء الله ـ وجزاكم الله كل خير؟.  

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فشرط الزوج على زوجته أن لا تلد منه يعتبر شرطا باطلا لا يلزم الوفاء به، لأنه يخل بمقصد من أهم مقاصد النكاح وهو الإنجاب، فالشرط باطل والعقد صحيح، قال ابن قدامة في المغني عند ذكره لأنواع الشروط في النكاح: مَا يُبْطِلُ الشَّرْطَ وَيُصِحُّ الْعَقْدَ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا، أَوْ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا أَوْ إنْ أَصْدَقَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا، أَوْ تَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا، أَوْ يَعْزِلَ عَنْهَا... فَهَذِهِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ فِي نَفْسِهَا، لِأَنَّهَا تُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَلِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ حُقُوقٍ تَجِبُ بِالْعَقْدِ قَبْلَ انْعِقَادِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ... فَأَمَّا الْعَقْدُ فِي نَفْسِهِ فَصَحِيحٌ... اهــ.

ثم ما ذكرته أنه طلب منها إذا توفي وهي على ذمته أن لا تخبر أحدا بهذا الزواج، وأن لا تطالب بحصتها من الإرث بعد وفاته... فإن كان هذا مجرد طلب فلا اعتبار به ولا تطالب الزوجة بالوفاء به، وإن كان قد اشترطه فإنه يعتبر شرطا باطلا، لأنه يتضمن إسقاط حق يجب بالعقد قبل انعقاده فلا يجب الوفاء به، بل ذهب بعض الفقهاء إلى أن هذا يبطل العقد وجعله من الشروط التي تبطل العقد كاشتراط عدم الوطء مثلا. جاء في نهاية المحتاج من كتب الشافعية عند ذكر الشروط المبطلة للعقد: تَنْبِيهٌ: نَقَلَ الشَّيْخَانِ عَلَى الْحَنَّاطِيِّ أَنَّ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا تَرِثَهُ أَوْ أَنْ يَرِثَهَا أَوْ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا غَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَا وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ قَالَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ أَيْ وَهُوَ الِاسْتِمْتَاعُ ... اهـ.

والذي نفتي به هو أن العقد صحيح والشرط باطل ولا يلزم الزوجة الوفاء به، وإذا مات فإنها ترثه ويرثه أولاده ذكورا وإناثا، وكذا شرطه كتمان النكاح يعتبر مكروها، بل يبطل العقد به عند الإمام مالك، قال ابن قدامة في المغني: فَصْلٌ: فَإِنْ عَقَدَهُ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ، فَأَسَرُّوهُ، أَوْ تَوَاصَوْا بِكِتْمَانِهِ، كُرِهَ ذَلِكَ، وَصَحَّ النِّكَاحُ وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَمِمَّنْ كَرِهَ نِكَاحَ السِّرِّ عُمَرُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ وَعُرْوَةُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ النِّكَاحُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: إذَا تَزَوَّجَ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ: لَا، حَتَّى يُعْلِنَهُ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ ... اهــ.

فالعقد صحيح ولا يجب الوفاء بشرط الكتمان إذا كان سيترتب عليه ضياع الحقوق من الإرث سواء إرث الزوجة أو إرث الأولاد, وفي صحيح البخاري معلقا بصيغة الجزم: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَوْ عُمَرُ كُلُّ شَرْطٍ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ.

وإننا ننصح الزوج المشار إليه بتقوى الله تعالى، وأن يحفظ حق زوجته وأولاده، ونصيحتنا لتلك الزوجة أن تنصح زوجها بالمعروف، وتعلمه أن هذه الشروط لا عبرة بها، فإن استجاب فبها ونعمت وإلا فلها أن ترفع أمرها إلى القضاء الشرعي حتى ينصفها من زوجها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني