الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الكفار تقدموا لأخذهم بأسباب التقدم لا لكرامتهم على الله تعالى

السؤال

كيف تمكّن الكُّفَّار من السّموّ بحضاراتهم والرّقيّ بها وهم كفّار؟ يعني كيف مكّنهم الله تعالى من تحقيق ما حقّقوه؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالله سبحانه الحكيم العليم قد أجرى هذا الكون على ناموس لا ينخرم، وهو سبحانه ـ كما يقول ابن القيم ـ قد ربط الأسباب بمسبباتها شرعا وقدرا، فوضع الله سبحانه لعباده أسبابا موصلة إلى غايات، وجرت سنته التي لا تتبدل ولا تتخلف أن من أخذ بالسبب الموضوع لتلك الغاية أوصله إليها وترتب المسبب على ذلك السبب، فسنن الله في الكون لا تحابي أحدا، فلما أخذ الكفار بأسباب التقدم والرقي في الدنيا حصل لهم ما أرادوا، ولما ترك المسلمون الأخذ بهذه الأسباب صاروا دونهم في هذا الشأن، فليس تقدم الكفر وتمكين الله لهم مما هم فيه من البسطة والسعة لكرامتهم عليه أو لمنزلة لهم عنده حاشا وكلا، ولما كان المسلمون في الزمن الأول ممسكين بعرى دينهم آخذين بأسباب التقدم كانوا سادة الدنيا، وسعدوا فيها وفي الآخرة، وقد أوضح الشيخ عبد الحميد بن باديس ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ هذا المعنى إيضاحا تاما فقال رحمه الله بعد ذكر جملة من الآيات: وقد أفادت هذه الآيات كلها أن الأسباب الكونية التي وضعها الله تعالى في هذه الحياة وسائل لمسبباتها موصلة ـ بإذن الله تعالى ـ من تمسك بها إلى ما جعلت وسيلة إليه، بمقتضى أمر الله وتقديره، وسننه في نظام هذه الحياة والكون، ولو كان ذلك المتمسك بها لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا يصدق المرسلين، ومن مقتضى هذا أن من أهمل تلك الأسباب الكونية التقديرية الإلهية ولم يأخذ بها لم ينل مسبباتها ولو كان من المؤمنين، وهذا معلوم ومشاهد من تاريخ البشر في ماضيهم وحاضرهم، نعم لا يضيع على المؤمن أجر إيمانه، ولكن جزاءه عليه في غير هاذه الدار، كما أن الآخر لم يضع عليه أخذه بالأسباب، فنال جزاءه في دار الأسباب وليس له في الآخرة إلاَّ النار، فالعباد ـ إذاًـ على أربعة أقسام:

1ـ مؤمن آخذ بالأسباب الدنيوية، فهذا سعيد في الدنيا والآخرة.

2ـ ودهريٌّ تارك لها، فهذا شقى فيهما.

3ـ ومؤمن تارك للأسباب، فهذا شقى فى الدنيا وينجو ـ بعد المؤاخذة على الترك ـ في الآخرة.

4ـ ودهريٌّ آخذ بالأسباب الدنيوية، هذا سعيد في الدنيا ويكون في الآخرة من الهالكين.

فلا يفتنن المسلمين بعد علم هذا ما يرونه من حالهم وحال من لا يدين دينهم، فإنه لم يكن تأخرهم لإيمانهم، بل بترك الأخذ بالأسباب الذي هو من ضعف إيمانهم، ولم يتقدم غيرهم بعدم إيمانهم، بل بأخذهم بأسباب التقدم في الحياة، وقد علموا أنهم مضت عليهم أحقاب وهم من أهل القسم الأول بإيمانهم وأعمالهم، وما صاروا من أهل القسم الثالث إلا لما ضعف إيمانهم وساءت أعمالهم وكثر إهمالهم .. فلا لوم إذاً إلا عليهم في كل ما يصيبهم، وربك يقضي بالحق وهو الفتاح العليم. انتهى.

وهو كاف بحمد الله في بيان الداء والدواء، نسأل الله أن يهيئ للمسلمين من أمرهم رشدا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني