الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبب الصراع بين ابن الزبير والحسين رضي الله عنهما وبين يزيد بن معاوية

السؤال

ما سبب الصراع الذي حدث بين ابن الزبير ومروان بن الحكم أو يزيد؟ عسى أن توضحوا لنا بشكل مفصل، وهل يعد هذا الصراع خروجاً من ابن الزبير على ولي الأمر؟ وكذلك هل يعتبر الحسين خارجا على يزيد بن معاوية؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد حصل الصراع بين عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنه ـ وبين يزيد بن معاوية، لرفض ابن الزبير مبايعة يزيد بالخلافة، وظل الأمر على ذلك إلى أن مات يزيد فبايع الناس لابن الزبير بالخلافة، فخرج عليه مروان بن الحكم ثم ابنه عبد الملك حتى أعادوا الخلافة للبيت الأموي، على تفصيل في ذلك وأحداث طوال، يرجع فيها لكتب التاريخ قال الدكتور الصلابي في كتابه خلافة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير: قد أجمعت غالبية الأمة على بيعة يزيد، أو بمعنى آخر جددت له البيعة بعد وفاة أبيه، ولم يعارض إلا الحسين بن على وعبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما.. أما بقية الصحابة فقد بايعوا يزيد جمعًا للكلمة وحفظًا لوحدة الأمة وخوف الفتنة، مثل عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، ومحمد ابن الحنفية، أما أهل الشام والعراق وغيرهما من الأقاليم فقد بايعوا، وكانت المعارضة ليزيد في أهل الحجاز يتزعهما الحسين بن على وابن الزبير. اهـ.

وقال أيضا: كان مقصد ابن الزبير ـ رضي الله عنه ـ ومن معه ومن بينهم بعض الصحابة والتابعين كالمسور بن مخرمة وعبد الله بن صفوان، ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف، وغيرهم من فضلاء عصرهم هو تغيير الواقع بالسيف لما رأوا تحول الخلافة إلى وراثة وملك، ولما أشيع حول يزيد من شائعات أعطت صورة سيئة للخليفة الأموي في دمشق والذي ينبغي أن يفهم أن ابن الزبير قام لله ... لقد كان رضي الله عنه يهدف من وراء المعارضة أن تعود الأمة إلى حياة الشورى ويتولى الأمة حينئذ أفضلها .. اهـ.

وقال في ما يتعلق بخروج مروان على ابن الزبير: مروان بن الحكم لا يُعد عند كثير من المحققين والمؤرخين خليفة حيث يعتبرونه باغيًا خرج على أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير، وكذلك ولده عبد الملك لا يعد خليفة إلا بعد موت ابن الزبير، واجتماع المسلمين عليه ... يقول ابن كثير: ثم هو ـ أي ابن الزبير ـ الإمام بعد موت معاوية بن يزيد لا محالة وهو أرشد من مروان بن الحكم، حيث نازعه بعد أن اجتمعت الكلمة عليه وقامت البيعة له في الآفاق وانتظم له الأمر اهـ ـ ويؤكد كل من ابن حزم والسيوطي شرعية ابن الزبير، ويعتبران مروان بن الحكم وابنه عبد الملك باغيين عليه خارجين على خلافته، كما يؤكد الذهبي شرعية ابن الزبير ويعتبره أمير المؤمنين. اهـ.

وقال ابن حزم في المحلى: مروان ما نعلم له جرحة قبل خروجه على أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير. اهـ.

وقال الدكتور محمد خير هيكل في أطروحته للدكتوراة ـ الجهاد والقتال في السياسة الشرعية ـ في مبحث قتال أهل البغي: أهل البغي هم طائفة من الناس جمعت بين ثلاثة أمور:

1ـ التمرد على سلطة الدولة بالامتناع عن أداء الحقوق، وطاعة القوانين.

2ـ وجود قوة يتمتع بها البغاة تمكنهم من السيطرة.

3ـ الخروج، ويقصد به الثورة المسلحة، أو تأليب الرأي العام وتأجيجه وإشاعة الفوضى، أو الحرب الأهلية، أو استخدام العنف في سبيل الوصول إلى تحقيق الأغراض السياسية.

وليس المراد بالخروج هنا حتمية ابتدائهم باستعمال السلاح ضد الدولة، فقد يكون بالمقاومة بالسلاح في حال قامت الدولة بمواجهتهم وإخضاعهم للنظام، وجمهور الفقهاء يشترط لاعتبار الثائرين من أهل البغي وجود شبهة شرعية، أي: تأويل سائغ، ولو كان ضعيفا، يعتمدون عليه في إشعال الثورة، وبعضهم لا يشترط ذلك فيعتبرون الخارجين من أجل السيطرة على الحكم، بدون تأويل أو شبهة من البغاة أيضا، ويمثّلون للخارجين على أساس تأويل وشبهة بالخارجين على علي بن أبي طالب من أهل الجمل وصفين حيث زعموا أنه يعرف قتلة عثمان ويقدر عليهم ولا يقتص منهم لمواطأته إياهم، ويمثلون للخارجين من أجل الدنيا كالسيطرة على الحكم بخروج مروان بن الحكم في الشام على عبد الله بن الزبير بعدما تمت البيعة لابن الزبير في العراق ومصر والحجاز، قسم كبير من أهل الشام. اهـ.

وأما ما قام به الحسين وابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ وهل يعد ذلك خروجا على الإمام، فقال ابن مفلح في الفروع: جوز ابن عقيل وابن الجوزي الخروج على إمام غير عادل، وذكرا خروج الحسين على يزيد لإقامة الحق, وكذا قال الجويني إذا جار وظهر ظلمه ولم يزجر حين زجر فلهم خلعه ولو بالحرب والسلاح، قال النووي: خلعه غريب، ومع هذا محمول على أنه لم يخف مفسدة أعظم منه، ونصوص أحمد أنه لا يحل وأنه بدعة مخالف للسنة .. وقال ابن الجوزي في كتابه السر المصون: من الاعتقادات العامية التي غلبت على جماعة منتسبين إلى السنة, أن يقولوا: إن يزيد كان على الصواب وأن الحسين أخطأ في الخروج عليه، ولو نظروا في السير لعلموا كيف عقدت له البيعة وألزم الناس بها, ولقد فعل في ذلك كل قبيح, ثم لو قدرنا صحة خلافته فقد بدرت منه بوادر وكلها توجب فسخ العقد, من نهب المدينة ورمي الكعبة بالمنجنيق وقتل الحسين وأهل بيته, وضربه على ثنيتيه بالقضيب, وحمله الرأس على خشبة، وإنما يميل جاهل بالسيرة عامي المذهب يظن أنه يغيظ بذلك الرافضة. اهـ.

وقال الرحيباني في مطالب أولي النهى: مقتضى هذا أن خروج الحسين على يزيد كان جائزا، وإن سبقت له البيعة من بعض أهل الحل والعقد، وذلك كان في ثبوت الإمامة له، وإن بلغ من قبائح الفسق والانحلال عن التقوى مبلغا وافرا واجتهاد الحسين اقتضى جواز أو وجوب الخروج على يزيد، لجوره وقبائحه التي تصم عنها الآذان، فهو محق بالنسبة لما عنده، ونظير ذلك حال معاوية مع الحسن قبل نزوله له عن الخلافة، ومع علي فإنه كان متغلبا باغيا عليهما، لكنه غير آثم، لاجتهاده، فالحسين كذلك، وأما بعد استقرار الأحكام وانعقاد الإجماع على تحريم الخروج على الجائر، فلا يجوز الخروج عليه. اهـ.

وقال ابن حزم في المحلى: من دعا إلى تأويل لا يحل به سنة، لكن مثل تأويل معاوية في أن يقتص من قتلة عثمان قبل البيعة لعلي، فهذا يعذر، لأنه ليس فيه إحالة شيء من الدين وإنما هو خطأ خاص في قصة بعينها لا تتعدى، ومن قام لعرض دنيا فقط كما فعل يزيد بن معاوية، ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان في القيام على ابن الزبير، وكما فعل مروان بن محمد في القيام على يزيد بن الوليد، وكمن قام أيضا عن مروان، فهؤلاء لا يعذرون، لأنهم لا تأويل لهم أصلا، وهو بغي مجرد، وأما من دعا إلى أمر بمعروف أو نهي عن منكر وإظهار القرآن والسنن والحكم بالعدل فليس باغيا، بل الباغي من خالفه. اهـ.

وفي تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي: البغاة وهم مخالفوا الإمام ولو جائرا لحرمة الخروج عليه أي لا مطلقا، بل بعد استقرار الأمر المتأخر عن زمن الصحابة والسلف ـ رضي الله عنهم ـ فلا يرد خروج الحسين بن علي وابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ ومعهما كثير من السلف على يزيد وعبد الملك، ودعوى المصنف الإجماع على حرمة الخروج على الجائر إنما أراد الإجماع بعد انقضاء زمن الصحابة واستقرار الأمور. اهـ.

وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في جواب أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والزيدية: ابن عباس وغيره من الصحابة أنكروا على الحسين خروجه على يزيد، ونهوه عن ذلك خوفا عليه مما جرى عليه وعلى أهل بيته، ولكن لا رادّ لما قضى الله، وما جرى على الحسين رضي الله عنه وعلى أهل بيته مما يعظم الله به أجورهم، ويرفع به درجاتهم ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ وأهل السنة يبغضون يزيد. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني