الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شبهات وجوابها حول موقف الإسلام من الإماء

السؤال

سؤالي يتناول الرق في ديننا: فلقد أذهلني هذا الأمر بل حيرني في أمري فهو يقسم الناس لقسمين (طبقتين ) أحرار شرفاء أنقياء الدم والعرق، وأرقاء مذلولين مبتذلين لخدمة الأحرار، والأكثر من ذلك هو أن هذا النظام سيؤدي بهاته الفئة التي كانت تعادل أربعة أضعاف الأحرار لتكون مجموعة الدعارة والسرقة والحرمان والمنبوذين أخلاقيا اجتماعيا بل حتى دينيا. ويمكن أن ألخص أكثر الأمور فيما يلي: - عند شراء الأمة وبيعها يجوز تقليبها أي النظر لثدييها وعجزها والكشف عن ساقيها وظهرها وبطنها، ومن المعروف أنها قد تشترى أو لا، وسيتكرر هذا في حياة الجارية مئة مرة أو أكثر. أليس في هذا إثارة لها ودفعها إلى الزنا، أو أقل شيء هو تعذيبها جنسيا ناهيك عن الإذلال و ما إلى ذلك؟ - الحجاب فرض على الحرة من أجل أن تعرف فلا تؤذى. أي أن البطش بالجارية دون جماعها (الزنا بها ) لا يعتبر جريمة أم ماذا؟ - أبناء الجارية تبع لها أي هم أرقاء. فهل الإسلام عندما دعا إلى تزويجهم قصد أنهم مثل الغنم مباح تربيتهم في الإسطبلات ومن ثم بيعهم - وفي الأخير إن هاته الشريحة من المخلوقات تحيا حتى في الإسلام حياة الحيوانات من زواج وبيع وقيمة بل نفسيا. فهل تحاسب حساب البشر يوم القيامة خاصة أن بيعهم وشراءهم يعني أن القلة الضئيلة ممكن أن تعي الإسلام؟ أرجو إفادتي.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا الكلام فيه مغالطات شديدة، ومعلومات واستنتاجات لا أساس لها من الصحة، ولعل سبب ذلك - إن أحسنا الظن - هو عدم إدراك طبيعة المجتمعات البشرية قديما أيام وجود الرق، وعدم العلم بأحكام الشريعة الإسلامية وهديها في معالجة قضية الرق. ومن ذلك مسألة عورة الأمة والفرق بينها وبين الحرة، وقد سبق لنا تناولها في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 114264، 117967، 46973. وإذا عُرف هذا وأدرك الإنسان طبيعة وجود العبيد قديما في المجتعات الإنسانية كلها، وأن الإماء كن يبعن ويشترين، أدرك العلة من إباحة النظر إليها ممن أراد شراءها، وتبقى ميزة الإسلام في تقييد ذلك بحدود عورتها، على خلاف ما كان معمولا به في الدنيا بأسرها من إطلاق ذلك تماما، أما الشريعة فقيدته بالعورة، وقد بوب البيهقي في سننه. باب: (الرجل يريد شراء جارية فينظر إلى ما ليس منها بعورة). هذا مع كون ذلك خاصا بمن يريد شراءها.

قال البغوي في (شرح السنة): القصد إلى النظر لا يجوز لغير غرض، وهو أن يريد نكاح امرأة، أو شراء جارية، أو تحمل شهادة عليها، فيتأملها. اهـ.
وأما كون التعرض للإماء بالإيذاء بما دون الجماع لا يعد جريمة في الشريعة !! فهذا باطل بيِّن البطلان، ولا يمكن أن يفهم ذلك من قوله تعالى:يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب: 59]. فإن غاية ما في الآية الكريمة أن أهل الريب والسفهاء يكون تحفظهم في شأن الحرائر أشد وأكبر، وهذا لا يعني جواز التعرض للإماء بالأذى وعدم اعتبار ذلك من الجرائم !!
وأما كون أبناء الأمة من غير سيدها يكون لهم حكم أمهم في الرق، فلا يستغرب؛ فهم فرع أمهم ولهم حكمها، مع مراعاة أن الأصل كونها فراشا لسيدها فإن ولدت منه أعتقها ولدها. ثم إن هذا يراعى فيه أن لا يفرَّق بينها وبين أولادها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة. رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني. وعن عليٍّ أنه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورد البيع. رواه أبو داود وحسنه الألباني. وعن عبد الله بن مسعود قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بالسبي أعطى أهل البيت جميعا كراهية أن يفرق بينهم. رواه أحمد وابن ماجه، وحسنه الألباني.
وعلى أية حال فهذا الموضوع يحتاج إلى تفصيل وبيان، وقد سبق لنا التعرض لبعض مسائله في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 4492، 12210، 4341، 27120، 137527، 122478.
ولمزيد الفائدة يمكن مراجعة كتاب (نظام الرق في الإسلام) للشيخ عبد الله ناصح علوان. وكتاب (الإسلام محرر العبيد) للأستاذ حمدى شفيق. وكتاب (شبهات حول الإسلام) للأستاذ محمد قطب في الجزء الخاص بهذه الشبهة تحت عنوان: (الإسلام والرق).

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني