الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تصرف الولي أو الوصي في مال الصغير

السؤال

سبق وأن أرسلت سؤالي هذا وأفدتم بأن السؤال فحواه الهبة وإنما قصدت بسؤالي الحق الأساسي، فهل يجوز أن أبيع ذهبها دون علمها لأشتري لها أرضا مع العلم أن الأرض غير مستلمة وإنما أوراق معتمدة رغم بلوغها السن القانونية؟ وأيهما أفضل التنازل مقابل الديون أم عمل عقد بيع وشراء لها؟ وكان نص السؤال السابق كالتالي: بنتي عمرها 18 استلمت مرتب أبيها قبل أربع سنوات، والقانون ينص على أنه مناصفة بيني وبينها وتنازلت عما يخصني وادخرت هذا الراتب لها ذهبا دون علمها ـ حتى لا يعلم به أهلها فيمنعوها مما لها من وصية ونحوه، حيث إن أباها توفي قبل أبيه، كما أنهم لم يعطوها من هذا الراتب خلال الأربعة عشر عاما شيئا أو أي نفقة ـ ومعي ثلاث قطع من الأرض أخذتها بالتقسيط من عملي ولم أستلمها إلى الآن ـ أسوة ببقية الموظفين ـ وقمت ببناء بيت لي في أرض أعطاني إياها والدي، واستلفت منها جزءا من هذا الذهب، أريد الآن أن أتنازل عن إحدى القطع لها مقابل الديون التي علي مع العلم أن هذه القطعة معتمدة من النيابة والمحكمة، والسؤال: هل يصح هذا التنازل باعتبار أن الأرض يمكن استثمارها والذهب تأكل منه الزكاة وأن الأرض تثمن بعد سنوات أكثر من الذهب؟ أم أن ما أخذته ذهبا يقضى ذهبا؟ وهل يصح التنازل دون علمها، فهي بالغة السن القانونية؟ أفيدوني زادكم الله بسطة في العلم وأطال بالخير أعماركم، والمعذرة لإعادة السؤال والإطالة أريد أن تبرأ ذمتي من مالها فأنا أعتبر وليها.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلمي أولا أن مال البنت ـ المذكورة سواء ما ورثته أو أعطي لها صدقة أو هبة ونحو ذلك ـ يجب أن تمكن منه ولا يحق لأحد أن يتصرف فيه بعد بلوغها ورشدها بغير إذنها، فإذا تصرف فيه بغير إذنها كان متعديا وتصرفه مردود مالم تمضه هي إذا كانت رشيدة، لقوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ {النساء:6}.

فقد جاء في الموسوعة الفقهية: للأنثى ذمة مالية مستقلة كالرجل، وحقها في التصرف في مالها أمر مقرر في الشريعة ما دامت رشيدة، لقوله تعالى: فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا.. ولها أن تتصرف في مالها كله عن طريق المعاوضة بدون إذن من أحدٍ، وهذا باتفاق الفقهاء.... انتهى.

وفيها أيضا: يجب دفع المال إلى المحجور عليه إذا بلغ ورشد, لقوله تعالى: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ـ حتى لو منعه الولي, أو الوصي منه حين طلبه ماله يكون ضامنا. اهـ.

وإذا لم يتبين رشدها فلا يدفع لها من مالها إلا قدر الحاجة.. كما قال الله تعالى: وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا {النساء:5}.

وفي الموسوعة الفقهية: فإذا بلغ الشخص رشيدا كملت أهليته, وارتفعت الولاية عنه وسلمت إليه أمواله باتفاق الفقها، لقول الله تعالى: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ـ وإذا بلغ غير رشيد وكان عاقلا كملت أهليته, وارتفعت الولاية عنه عند أبي حنيفة إلا أنه لا تسلم إليه أمواله, بل تبقى في يد وليه أو وصيه حتى يثبت رشده بالفعل, أو يبلغ خمسا وعشرين سنة, فإذا بلغ هذه السن سلمت إليه أمواله, ولو كان مبذرا لا يحسن التصرف .... وقال المالكية والشافعية والحنابلة, وهو قول أبي يوسف ومحمد من الحنفية: إن الشخص إذا بلغ غير رشيد كملت أهليته, ولكن لا ترتفع الولاية عنه, وتبقى أمواله تحت يد وليه أو وصيه حتى يثبت رشده، لقوله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ـ فإنه منع الأولياء والأوصياء من دفع المال إلى السفهاء وناط دفع المال إليهم بتوافر أمرين: البلوغ والرشد, فلا يجوز أن يدفع المال إليهم بالبلوغ مع عدم الرشد. اهـ.

فاذا كانت البنت المذكورة غير رشيدة فلا يسلم مالها إليها ولكن لا يتصرف فيه إلا الوصي أو الولي، والوصي هو الشخص الذي أوصاه والد اليتيم قبل موته أن يتولى شؤون اليتيم، والولي هو جد اليتيم أو من يعينه الحاكم المسلم ليتولى شؤون اليتيم وقد ذكرنا أقوال الفقهاء في ذلك في الفتوى رقم: 28545.

وعليه، فإن لم تكوني وصية عليها فليس لك أن تتولى التصرف في مالها ويجب رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية لتعين وليا عليها يتولى النظر في شؤونها وإدارة أموالها، وإن كنت وصية فلك أن تتصرفي في مالها بما فيه مصلحة لها، فيجوز جعله عقارا، قال النووي في المنهاج: ويتصرف الولي بالمصلحة.

وجاء في الموسوعة الفقهية: لا خلاف بين الفقهاء في أنه لا يجوز للولي أن يتصرف في مال المحجور إلا على النظر والاحتياط، وبما فيه حظ له واغتباط، لحديث: لا ضرر ولا ضرار. اهـ.

وقال الصاوي: ويتصرف الولي على المحجور ـ وجوباً ـ بالمصلحة العائدة على محجوره ـ حالاً أو مآلاً. اهـ.

ثانيا: شراؤك العقار لها من نفسك ـ حيث كان أصلح لها من إرجاع ذهبها ـ مختلف فيه مثل شراء الوكيل من نفسه وبيعه لنفسه، قال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: ولا يجوز بيعه، ولا شراؤه من نفسه وطفله ونحوه من محاجيره ولو أذن له فيه لتضاد غرضي الاسترخاص لهم والاستقصاء للموكل، ولأن الأصل عدم جواز اتحاد الموجب والقابل وإن انتفت التهمة ولأنه لو وكله ليهب من نفسه لم يصح، وإن انتفت التهمة لاتحاد الموجب والقابل.

وقال ابن حجر في تحفة المحتاج: ولا يبيع لنفسه وإن أذن له وقدر له الثمن ونهاه عن الزيادة.

وقال النفراوي في الفواكه الدواني: الفرع السادس: وكيل البيع أو الشراء لا يجوز له الشراء لنفسه ولا البيع من نفسه ومحجوره كولده الصغير أو السفيه بمنزلته لاتهامه، إلا أن يكون ذلك بحضرة الموكل أو يسمي له الثمن، فيجوز له شراء ما وكل على بيعه بعد تناهي الرغبات فيه.

وجاء في الاختيار من كتب الحنفية حول شراء الوصي من نفسه: ويجوز بيعه وشراؤه لنفسه إن كان فيه نفع للصبي. اهـ.

وقال ابن تيمية في المحرر: وعنه: له البيع من نفسه إذا زاد على ثمنه في النداء، وكذلك شراء الوصي من مال اليتيم. اهـ.

وجاء في دقائق أولي النهى: ولا يصح بيع وكيل لنفسه بأن يشتري ما وكل في بيعه من نفسه لنفسه... إلا بأن أذن موكل لوكيله في بيعه لنفسه.. فيصح إذا تولى طرفي العقد فيهما... اهـ.

وبهذه النقول يتبين للسائلة أن أن تصرفها المذكور في مال ابنتها ـ شراؤها عقارها لنفسها ـ إن كانت محجورة وكانت هي الموصاة عليها أو المقامة عليها من طرف القاضي فيه الخلاف فمن أهل العلم من منعه ومنهم من أجازه إن كانت فيه مصلحة، كما في الكلام السابق ـ الاختيار ـ ومنهم من أجازه إن زدت لها في الثمن، كما في كلام ابن تيمية وعليه، فننصحها بمراجعة القاضي الشرعي في هذه القضية أو استشارة الثقات من أهل بلدها.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني