الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تهافت رواية أن عليا كان آخر الناس عهدا بالنبي

السؤال

يقول أهل الضلال إن آخر عهد بالرسول كان مع علي وعندما نذكر لهم هذه الراوية: صحيح البخاري ـ كتاب الوصايا ـ هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى؟ فقال لا: 2590 حدثنا عمرو بن زرارة أخبرنا إسماعيل عن ابن عون عن إبراهيم عن الأسود قال ذكروا عند عائشة أن عليا رضي الله عنهما كان وصيا، فقالت متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري أو قالت حجري فدعا بالطست فلقد انخنث في حجري فما شعرت أنه قد مات، فمتى أوصى إليه؟ يردون علينا بالآتي: مسند أبي يعلى الأحاديث مذيلة بأحكام حسين سليم أسد عليها الجزء الثاني عشر الصفحة: 364ـ 6934ـ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا جرير عن مغيرة عن أم موسى عن أم سلمة قالت: والذي يحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض في بيت عائشة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة بعد غداة يقول: جاء علي؟ مرارا؟ قالت: وأظنه بعثه في حاجة، قال فجاء بعد فظننا أن له إليه حاجة فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب فكنت من أدناهم فأكب عليه علي فجعل يساره ويناجيه، ثم قبض من يومه ذلك.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الحديث المذكور جاء بروايات متعددة وفيها ألفاظ تسقط استدلال أهل الضلال به على ما أرادوه من معارضة الحديث المبين لموت النبي صلى الله عليه وسلم عند عائشة وفي حجرها، ففي مسند أبي يعلى الموصلي:14ـ 216ـ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أم موسى، عن أم سلمة، قالت: والذي يحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض في بيت عائشة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة بعد غداة يقول: جاء علي؟ مرارا، قالت: وأظنه كان بعثه في حاجة، قال: فجاء بعد، فظننا أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت، فقعدنا عند الباب، فكنت من أدناهم، فأكب عليه علي فجعل يساره ويناجيه، ثم قبض من يومه ذلك.

وفي رواية: قالت: فجاء قبل طلوع الشمس.

ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ضحى، والحديث رواه أحمد وابن أبي شيبة والحاكم وغيرهم.

وقد صحح بعضهم هذا الحديث وحسنه آخرون، لكن الصواب فيه أن الحديث ضعيف، وقد بين ذلك الألباني فقد قال في سلسلة الأحاديث الضعيفة في معرض رده على من قبل الحديث: الحديث منكر, مداره على المغيرة عن أم موسى ... وفيه أم موسى لم يوثقها غير العجلي وهو توثيق غير معتبر؛ لما عرف عن العجلي من التساهل في التوثيق كابن حبان، فكيف يكون حال من لم يوثقه ابن حبان نفسه.. وقد أشار إلى ذلك الدارقطني بقوله: يخرج حديثها للاعتبار... وتفرد عنها مغيرة بن مقسم... وفي الحديث علة أخرى غير تفرد المغيرة عنها وهي عنعنة المغيرة في كل المصادر المذكورة آنفا وهو من المكثرين من التدليس، فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع ...... اهـ راجع بقية كلامه ففيه فوائد حديثية قيمة.

وعليه؛ فإن الحديث ضعيف ولا يحتج به, كيف وهو يعارض حديث عائشة في الصحيح وغيره, لكن على فرض التسليم بما فيه فليس فيه دلالة على ما أرادوا، لأن قول أم سلمة في الحديث: ثم قبض من يومه ذلك ـ صريح في أنه لم يكن هو آخر العهد به، ثم هناك من قال إن المراد به أنه آخر عهدا به من الرجال, لكن ورد في روايات أخرى أنه: كان من أقرب الناس به عهدا ـ ومن للتبعيض فتدل على أن هناك أيضا من كان من آخر الناس به عهدا غير علي ومنهم عبد الرحمن بن أبي بكر، فقد أخرج البخاري ـ 13ـ349: عن عائشة: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبده رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره فأخذت السواك فقصمته ونفضته وطيبته ثم دفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستن به، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استنانا قط أحسن منه، فما عدا أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يده أو إصبعه ثم قال: في الرفيق الأعلى ثلاثا، ثم قضى، وكانت تقول: مات بين حاقنتي وذاقنتي.

وفي الحديث عن عائشة ـ رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول: أين أنا غدا ـ يريد يوم عائشة ـ فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها، قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي، فقبضه الله عز وجل وإن رأسه لبين نحري وسحري، وخالط ريقه ريقي، دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه، فقضمته، ثم مضغته، فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به وهو مستند إلى صدري. هذا لفظ حديث البخاري، وهو أكملها.

وقد ذكر الحافظ في الفتح: 8ـ 139ـ في شرح حديث عائشة جملة من الأحاديث معارضة له ساقها حديثا حديثا من طرق وقال: وكل طريق منها لا يخلو من شيعي فلا يلتفت إليها.

كما يمكن أن يقال إن أم سلمة أخبرت عما رأت وعرفت وهي إنما كانت زائرة وليست صاحبة البيت، ثم هي لم تكن معه في آخر ساعة، وأخبرت أن عليا دخل قبل طلوع الشمس ثم قالت: وقبض من يومه ذلك، وعائشة هي صاحبة البيت وهي التي مات النبي صلى الله عليه وسلم في صدرها وهي تخبر عن آخر لحظة له في الحياة ومن كان معه فيها، فهي أثبت في هذا الكلام وأدق، ومن علم حجة على من لم يعلم، ومن حضر حجة على من لم يحضر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني