الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الموقف الصحيح من العالم أو الداعية إذا خالف العلماء في مسألة

السؤال

ما منهج السلف الصالح في مسألة الجرح والتعديل؟ وما الموقف الصحيح الذي ينبغي اتباعه إذا خالف أحد الدعاة أهلَ العلم في مسألة من المسائل؟ هل نقوم بنصحه أولًا أم نقوم بتبديعه والتحذير منه؟
نرجو منكم أن توضحوا لنا رأي السلف الصالح في هذه المسألة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما ما سألت عنه من منهج السلف الصالح في الجرح والتعديل فذلك أمر يطول الحديث فيه، لكن جملة ما يجمع السلف - غالبًا - في نقدهم وجرحهم وتعديلهم هو العدل والإنصاف والتحري فيما يقولونه، قال في فتح المغيث: والمتقدمون سالمون منه - أي: من الانحراف - غالبًا منزهون عنه; لوفور ديانتهم، بخلاف المتأخرين فإنه ربما يقع ذلك في تواريخهم، وهو مجانب لأهل الدين وطرائقهم.

وقال الصنعاني في ثمرات النظر: قد عرفنا من تتبع أحوالهم الإنصاف فيما يقولونه, ألا تراهم يقولون: ثقة إلا أنه كان يتشيع, كان حجة إلا أنه كان يرى القدر, كان ثقة إلا أنه كان مرجئًا, كان مائلًا عن الحق ولم يكذب في الحديث, كان يرى القدر وهو مستقيم الحديث, فهذا دليل أن القوم كانوا يذكرون في الشخص ما هو عليه, واتصف به من خير وشر, ولا يتقولون عليه؛ إذ لو كانوا يتقولون لرموا من خالفهم في المذاهب بالكذب, ولما وثقوا شيعيًا, ولا قدريًا, ولا مرجئًا.

ومن هنا قبل العلماء المتأخرون نقد السلف دون الحاجة إلى الاطلاع على الأسباب، قال الشيخ عبد الكريم الخضير: فالذي يظهر - والله أعلم - أن الأئمة الموصوفين بالخبرة والاطلاع والإحاطة بالمرويات، ومعرفة أحوال الرواة مع الاتصاف بالديانة والإنصاف والاعتدال في الرأي أنهم يقبل قولهم في الجرح والتعديل من غير ذكرٍ للسبب، والله أعلم.

وراجع الفتاوى التالية ففيها ما قد ينفعك وهي: 6167 - 18051 - 133450.

وأما ما سألت عنه من بيان الموقف الصحيح إذا خالف أحد الدعاة أهل العلم في مسألة من المسائل: فمما شاع بين الناس في عصرنا اليوم الاستهانة بأعراض أهل العلم, والتسرع في تخطئتهم وتبديعهم دون سبب يستوجب ذلك, وهذا لا شك من فادح الخطأ, فليست العصمة لأحد بعد الأنبياء، ومن عامل الناس بهذا المبدأ قلاهم جميعًا وجفاهم، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح, وآثار حسنة, وهو من الإسلام وأهله بمكان, قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور, بل ومأجور لاجتهاده؛ فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين. اهـ

والموقف الصحيح للمنصف أن يلتمس العذر مهما كان للخطأ محمل, وأن لا يتهاون في أعراض المسلمين, وبالأحرى العلماء منهم، وما رأى من خطأ فليحاول النصح والتوجيه بما وسعه دون أن يبادر بالتبديع والتخطئة.

وبالجملة, فهذا ضابط عام، والتعامل مع المخطئ يختلف من حال لحال, ومن شخص لآخر، وإتمامًا لهذا المعنى راجع الفتوى رقم: 33943 وهي في انتقاد العلماء بين المصلحة والتشفي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني