الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترغيب في الحجاب وكونه رمزا للعفة وحراسة للفضيلة

السؤال

أريد ارتداء الحجاب ولا أعرف ما الذي يمنعني من ذلك، فأريد تبريرا وإقناعا لكي يهديني الله لارتدائه، فما العمل؟ أرجوكم ساعدوني.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد تعبَّد اللهُ النساء المؤمنات بفرض الحجاب عليهن، أمام الرجال الأجانب عنهن، تعبداً يثاب على فعله ويعاقب على تركه، ولهذا كان تركه من الكبائر الموبقات، وقد يجر إلى الوقوع في آفات أخرى، مثل: الاختلاط، والخلوة وفتنة الآخرين، إلى غير ذلك من الآفات، فعلى النساء المؤمنات الاستجابة إلى الالتزام بما افترضه الله عليهن من الحجاب والستر والعفة والحياء طاعةً لله تعالى، وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله عز شأنه: وَما كانَ لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضَى الله ورسولُهُ أمراً أن يُّكون لهم الخيرَةُ من أمرهمْ ومن يَّعصِ الله ورسوله فقدْ ضلَّ ضلالاً مبيناً {الأحزاب: 36}.

وقد قضى الله في كتابه وجوب الحجاب على النساء، فقال تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا {الأحزاب:32 ـ 33}.

وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ {الأحزاب:59}.

وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: لما نزلت هذه الآية: يدنين عليهن من جلابيبهن ـ خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها.

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: رحم الله تعالى نساء الأنصار، لما نزلت: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك...يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا {الأحزاب:53}، الآية شَقَقن مُرُوطهن، فاعتجرن بها، فصَلَّين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رءوسهن الغربان. رواه ابن مردويه.
وعن أم عطية ـ رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى، العواتق والحُيَّض، وذوات الخدور، أمَّا الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها. متفق على صحته.

وهذا صريح في منع المرأة من بروزها أمام الأجانب بدون الجلباب، هذا وإن من وراء افتراض الحجاب حكما وأسرارا عظيمة، وفضائل محمودة، وغايات ومصالح كبيرة، منها:
1ـ حفظ العِرض: فالحجاب حِرَاسةٌ شرعية لحفظ الأعراض، ودفع أسباب الرِّيبة والفتنة والفساد.
2ـ طهارة القلوب: فالحجاب داع إلى طهارة قلوب المؤمنين والمؤمنات، وعمارتها بالتقوى، وتعظيم الحرمات، وصَدَق الله سبحانه: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ {الأحزاب:53}

3ـ مكارم الأخلاق: فالحجاب داع إلى توفير مكارم الأخلاق من العفة والاحتشام والحياء والغيرة، والحجب لمساويها من التَلوُّث بالشَّائِنات؛ كالتبذل والتهتك والسُّفالة والفساد.
4ـ علامة على العفيفات: فالحجاب علامة شرعية على الحرائر العفيفات في عفتهن وشرفهن، وبعدهن عن دنس الريبة والشك: ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ـ وصلاح الظاهر دليل على صلاح الباطن، وإن العفاف تاج المرأة، وما رفرفت العفة على دارٍ إلا أكسبتها الهناء.
5ـ الحجاب حصانة ضد الزنا والإباحية، فلا تكون المرأة إناءً لكل والغ.
6ـ حفظ الغيرة: وهي السياج المعنوي لحماية الحجاب، ودفع التبرج والسفور والاختلاط، والغيرة هي: ما ركّبه الله في العبد من قوة روحية تحمي المحارم والشرف والعفاف من كل مجرم وغادر، والغيرة في الإسلام خلق محمود، وجهاد مشروع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه. متفق عليه.

فلا تغتر المسلمة بالمترجلات اللاتي يتلذذن بمعاكسة الرجال لهن، وجلب الأنظار إليهن، اللائي يُعْلنَّ بفعلهن تِعدادهن في المتبرجات السافرات، ويعدلن عن أن يكن مصابيح البيوت العفيفات التقيات النقيات الشريفات الطيبات.

ثبّت الله نساء المؤمنين على العفة وأسبابها.

ونوصي السائلة بالرجوع إلى كتابين مهمين في الحجاب، وهما: حراسة الفضيلة ـ للعلامة بكر أبو زيد ـ رحمه الله ـ ومنه اختصرنا هذه الفتوى، وكتاب: عودة الحجاب ـ لفضيلة الشيخ محمد إسماعيل المقدم حفظه الله.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتوى رقم: 63625.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني