الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يعذب الأب في الآخرة إذا لم يأمر بناته بالحجاب؟

السؤال

سؤالي: إذا مات رجل، وترك بنات غير متزوجات، يعني كن تحت مسؤوليته قبل وفاته، ولم يتزوجن في حياته، وكن (غفر الله لنا ولهن) متبرجات، ولا يرتدين الحجاب بل لبسهن أشبه بالكافرات من التعري.
أولا : هل يعذب الأب بعد وفاته لما سمح به لبناته بالظهور على هذه الهيئة؟
وإن كان يعذب هل لكم بكلمة لينة، دعوية لهؤلاء الفتيات اللاتي على تلك المعصية؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من واجبات الأب في الإسلام أن يحسن تربية أبنائه وبناته، وأن يصونهم عن المحرمات، وعما يفسد أخلاقهم، ففرض على الأب أن يأمر بناته بالحجاب، وأن يحجزهن عن التبرج قدر وسعه.

قال ابن القيم في تحفة المودود: باب في وجوب تأديب الأولاد وتعليمهم: قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}. التحريم . قال علي رضي الله عنه:علموهم، وأدبوهم .وقال الحسن: مروهم بطاعة الله، وعلموهم الخير . وفي المسند، وسنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع. ففي هذا الحديث ثلاثة آداب: أمرهم بها، وضربهم عليها، والتفريق بينهم في المضاجع. وقد روى الحاكم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله، ولقنوهم عند الموت لا إله إلا الله. وذكر البيهقي عن أبي سعيد، وابن عباس قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ولد له ولد فليحسن اسمه، وأدبه. فإذا بلغ فليزوجه، فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثما فإنما إثمه على أبيه. وقال عبد الله بن عمر: أدب ابنك؛ فإنك مسؤول عنه ماذا أدبته، وماذا علمته. وهو مسؤول عن برك، وطواعيته لك. وقد روى البخاري في صحيحه من حديث نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير راع على الناس، وهو مسؤول عن رعيته؛ والرجل راع على أهل بيته؛ وامرأة الرجل راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم؛ وعبد الرجل راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه. ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته. فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارا كما عاتب بعضهم ولده على العقوق. فقال: يا أبت إنك عققتني صغيرا، فعققتك كبيرا، وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا. فما أفسد الأبناء مثل تغفل الآباء وإهمالهم، واستسهالهم شرر النار بين الثياب، فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون. فكم من والد حرم ولده خير الدنيا والآخرة، وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة. وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله، وإضاعتهم لها، وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع، والعمل الصالح حرمهم الانتفاع بأولادهم، وحرم الأولاد خيرهم ونفعهم لهم هو من عقوبة الآباء. اهـ بتصرف.

ومن ضيع مسؤولية الرعية التي استرعاه الله إياها، فلم يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر؛ فإنه على خطر عظيم. ما من عبد استرعاه الله رعية، فلم يحطها بنصيحة، إلا لم يجد رائحة الجنة. متفق عليه.

لكن مع ذلك فليس كل من قصر في أمر بناته بالحجاب، يحكم عليه بعينه أنه يحاسب بعد موته، فقد يغفر الله له ذنبه، أو تكون له حسنات تمحوا عنه خطاياه، أو يكون جاهلا أو معذورا، فالقاعدة أن المعين لا يحكم عليه بأمر أخروي، إلا من نص عليه بعينه في النصوص.

وأما من أمر بناته بالحجاب قدر وسعه، ولم يستجبن له، فلا ريب في أنه قد أدى ما عليه، ولن يعذب على ما تقترفه بناته؛ فإن الله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وانظري للفائدة الفتوى رقم: 193185

ونأمل الاطلاع على الفتاوى أرقام:73109 27921 5561 43165 17037 3350 26387. ففيها بيان أهمية الحجاب وخطر التبرج، وفيها نصائح لللائي يتبرجن ولا يلتزمن بالحجاب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني