الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل لعن الصائم لمعين يبطل صيامه؟

السؤال

في أول يوم من شهر رمضان كنت أشاهد برامج مفيدة في التلفاز وأنا صائم, وفجأة وأثناء تبديلي للمحطة شاهدت ممثلًا أعرفه وهو يمثل في مسلسل جنسي تكثر فيه النساء المتبرجات, وعندما شاهدت وجهه غضبت, وقلت: "الله يلعنك" وأعتقد أنني أعدتها مرة أخرى - أي لعنته مرتين - فهل يبطل صيامي في ذلك اليوم؟ وهل يجب عليّ قضاؤه؟ فقد قرأت فتاوى لعلماء كثر, ووجدت اختلافًا في أن فعل الكبائر هل يبطل الصيام, أم ينقص الأجر فقط, وكنت أعلم ذلك الاختلاف من قبل, فتحيرت: هل أقضي ذلك اليوم؟ أم أنه إذا كان من لعنته يستحق تلك اللعنة لا آثم, ولا أقع في خلاف العلماء؟ وهل يستحق ذلك الرجل الذي ذكرت ما يفعله من محرمات اللعنة أو السب؟ أرجو أن تكون الإجابة واضحة, وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالراجح من أقوال أهل العلم أن لعن المعين - سواء كان فاسقًا أو كافرًا - منهي عنه, قال ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى: وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي لَعْنَةِ الْفَاسِقِ الْمُعَيَّنِ, فَقِيلَ: إِنَّهُ جَائِزٌ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ, وَغَيْرِهِمْ، كَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ, وَغَيْرِهِ, وَقِيلَ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ, وَغَيْرِهِمْ، كَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ, وَغَيْرِهِ, وَالْمَعْرُوفُ عَنْ أَحْمَدَ كَرَاهَةُ لَعْنِ الْمُعَيَّنِ، كَالْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ, وَأَمْثَالِهِ. انتهى.
وقال أيضًا في مختصر الفتاوى المصرية: وَلعن الْكفَّار مُطلقًا حسن لما فيهم من الْكفْر، وَأما لعن الْمعِين فينهى عَنهُ, وَفِيه نزاع, وَتَركه أولى. انتهى.
ولا يبطل الصوم بالقول المحرم من الشتم, والغيبة, واللعن, ونحوها, قال النووي في المجموع: (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ (يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ ينزه صومه عن الغيبة, وَالشَّتْمِ) مَعْنَاهُ يَتَأَكَّدُ التَّنَزُّهُ عَنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّائِمِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ لِلْحَدِيثِ, وَإِلَّا فَغَيْرُ الصَّائِمِ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا, وَيُؤْمَرُ بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ, وَالتَّنَزُّهُ التَّبَاعُدُ, فَلَوْ اغْتَابَ فِي صَوْمِهِ عَصَى, وَلَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ عِنْدَنَا, وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ, وَأَبُو حَنِيفَةَ, وَأَحْمَدُ, وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً, إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَقَالَ: يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِالْغِيبَةِ, وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ. انتهى.
وقال الرملي - رحمه الله - في نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: (وليصن لسانه عن الكذب والغيبة) ونحوهما من مشاتمة, وسائر جوارحه عن الجرائم, فلا يبطل الصوم بارتكابه. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في الشرح الممتع: ذهب بعض السلف إلى أن القول المحرم والفعل المحرم في الصوم يبطله؛ كالغيبة، ولكن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ لما سئل عن ذلك، وقيل له: إن فلانًا يقول: إن الغيبة تفطر؟ قال: لو كانت تفطر ما بقي لنا صيام.

والقاعدة في ذلك أن المحرم إذا كان محرمًا في ذات العبادة أفسدها، وإن كان تحريمه عامًا لم يفسدها، فالأكل والشرب يفسدان الصوم، بخلاف الغيبة. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 37376، 108345.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني