الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إجراء عملية جراحية نسبة نجاحها ضعيف وقد تسبب الوفاة

السؤال

أريد إجراء عملية في معدتي لقرحة تسبب لي الآلام، ولا أستطيع تناول الطعام، وتؤثر على حياتي بشكل كبير، ونسبة نجاح العملية 20% وقد تسبب الوفاة إن لم تنجح، وقال لي الناس إن هذا الطبيب موثوق في نجاح العمليات، ولكن الطبيب قال إن نسبة النجاح 20% وقد تحدث وفاة إن لم تنجح، لأنه سوف يتم استئصال جزء من الإثنى عشر وجزء من المعدة، فهل أقوم بالعملية؟ وقد استخرت الله وسوف أمضي في الموضوع، فما رأيكم؟ وما حكم الشرع في ذلك؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالطبيب الجراح هو المرجع في الحكم بغلبة الظن بسلامة المريض من أخطار الجراحة أو عدمها، فإذا حكم الطبيب الثقة بأن نسبة نجاح هذه العملية 20 %، وأنه في حال عدم نجاحها قد تحدث وفاة، فلا يجوز الإقدام عليها والحالة هذه! قال الشيخ الدكتور محمد المختار الشنقيطي في رسالته للدكتوراة: أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها ـ تتضمن الجراحة الطبية في غالب صورها كثيرًا من المخاطر والأضرار التي قد تفضي بالمريض إلى الهلاك والموت المحقق، أو تؤدي إلى تلف عضو أو أعضاء من جسده لذا، فإن الحكم بجوازها في الشريعة الإسلامية مقيد بشروط لابد من توفرها. اهـ.

ثم فصل هذه الشروط في مطالب، فكان المطلب الخامس منها: أن يغلب على ظن الطبيب الجراح نجاح الجراحة ـ وقال فيه: يشترط لجواز فعل الجراحة أن يغلب على ظن الطبيب الجراح نجاحها، بمعنى أن تكون نسبة نجاح العملية، ونجاة المريض من أخطارها أكبر من نسبة عدم نجاحها، وهلاكه، وبناء على ذلك فإنه إذا غلب على ظنه هلاك المريض بسببها فإنه لا يجوز له فعلها، قال الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله: وأما ما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساد بعضه، كقطع اليد المتآكلة حفظًا للروح، إذا كان الغالب السلامة فإنه يجوز قطعها. اهـ والشريعة الإسلامية لا تبيح فعل الجراحة التي يغلب على ظن الطبيب هلاك المريض بسببها، لأن ذلك مخالف لأصول الشرع التي راعت حفظ النفس واعتبرته من الضروريات، ونهت عن تعريضها للهلاك والتلف، كما أشار الحق سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله: وَلا تُلقُوا بأيْديكُمْ إِلَى التَهْلُكَة ـ وقوله سبحانه: وَلا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ إِن اللَّهَ كَانَ بكُمْ رَحيمًا ـ وإقدام الطبيب على فعل الجَراحةَ التي يقطع بهلاك المريض بسببها، أو يغلب على ظنه ذلك يعتبر ضربًا من الفساد في الأرض الذي حرمه الله سبحانه وتعالى ونهى عنه بقوله جل شأنه: وَلا تُفْسدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ـ وقوله في معرض الذم:... وَإِذَا تَولى سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ ـ فلا يجوز له فعله، ومن ثم قال الإمام البغوي رحمه الله: والعلاج إذا كان فيه الخطر العظيم كان محظورًا. اهـ.
ولذلك، فإننا نوصي السائل بالصبر، والبحث عن طرق أخرى للعلاج، مع حسن الظن والاستعانة بالله، وصدق التوكل عليه، والإلحاح في دعائه، ولا يحملنَّه ما يجد من الآلام على العجلة وتعريض نفسه للهلاك.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني