الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوصفات الثلاث الباعثة على الصبر

السؤال

ما هي الوسائل المعينة على الصبر؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد تحدث شيخ الإسلام وطبيب القلوب ابن القيم الجوزية عن الصبر في كتابه العظيم "مدارج السالكين" وقد ذكر أموراً كثيرة ننصح بالرجوع إليها. ومما ذكر مما يتعلق بسؤالنا ما قاله في 2/ 167، حيث قال: هذه ثلاثة أشياء تبعث المتلبس بها على الصبر في البلاء:
إحداها: ملاحظة حسن الجزاء، وعلى حسب ملاحظته والوثوق به ومطالعته يخف حمل البلاء لشهود العوض، وهذا كما يخف على كل متحمل مشقة عظيمة حملها لما يلاحظه من لذة عاقبتها، وظفره بها، ولولا ذلك لتعطلت مصالح الدنيا والآخرة، وما أقدم أحد على تحمل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجلة، فالنفس موكلة بحب العاجل، وإنما خاصة العقل تلمح العواقب ومطالعة الغايات، وأجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم، لا يدرك بالنعيم وأن من رافق الراحة، فارق الراحة وحصل على المشقة وقت الراحة في دار الراحة، فإن قدر التعب تكون الراحة.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم‌ === وتأتي على قدر الكريم الكرائم
ويكبر في عين الصغير صغيرها === وتصغر في عين العظيم العظائم
والقصد أن ملاحظة حسن العاقبة تعين على الصبر فيما تتحمله باختيارك وغير اختيارك.
والثاني: انتظار روح الفرج يعني راحته ونسيمه ولذته.
فإن انتظاره ومطالعته وترقبه يخفف حمل المشقة. ولاسيما عند قوة الرجاء، أو القطع بالفرج، فإنه يجد في حشو البلاء من روح الفرج ونسيمه وراحته ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج معجل، وبه وبغيره يفهم معنى اسمه "اللطيف".
والثالث: تهوين البلية بأمرين:
أحدهما: أن يعد نعم الله عليه وأياديه عنده.. فإذا عجز عن عدها، وأيس من حصرها، هان عليه ما هو فيه من البلاء، ورآه بالنسبة إلى أيادي الله ونعمه كقطرة من بحر.
الثاني: تذكر سوالف النعم التي أنعم الله بها عليه، فهذا يتعلق بالماضي. وتعداد أيادي المنن يتعلق بالحال، وملاحظة حسن الجزاء، وانتظار روح الفرج يتعلق بالمستقبل. وأحدهما في الدنيا والثاني يوم الجزاء.
انتهى المراد
وقال في موضع آخر: فصل وهو على ثلاثة أنواع صبر بالله، وصبر لله، وصبر مع الله:
فالأول: أول الاستعانة به ورؤيته أنه هو المصير، وأن صبر العبد بربه لا بنفسه، كما قال تعالى:وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127].
يعني إن لم يصبرك هو لم تصبر.
والثاني: الصبر لله وهو أن يكون الباعث له على الصبر محبة الله، وإرادة وجهه، والتقرب إليه.. لا لإظهار قوة النفس، والاستحماد إلى الخلق وغير ذلك من الأعراض.
والثالث: الصبر مع الله وهو دوران العبد مع مراد الله الديني منه ومع أحكامه الدينية صابرا نفسه معها، سائراً بسيرهما مقيماً بإقامتها يتوجه معها أين توجهت ركائبها، وينزل معها أين استقلت مضاربها، فهذا معنى كونه صابرا مع الله أي قد جعل نفسه وقفاً على أوامره ومحابه وهو أشد أنواع الصبر وأصعبها وهو صبر الصديقين.
انتهى
ولمزيد الفائدة فيما يتعلق بالصبر راجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية:
8601
9297
17964.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني