الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرد على شبهة احتمال كون بعض رواة الأحاديث في طبقة الصحابة من المنافقين

السؤال

هل تم اكتشاف جميع المنافقين في عهد الرسول - صلى الله عليه و سلم - والصحابة - رضوان الله عليهم - أم هناك من المنافقين من لم يعرف ؟
وهل جميع من يترضى عنهم أهل السنة والجماعة هم قطعيا صحابة ؟
وهل كان المنافقون يقولون حدثنا رسول الله - صلى الله عليه و سلم - لعامة الناس بحديث مكذوب ؟
وكيف يفرق بين ما إذا كان الراوي صحابيا أم منافقا ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهنا أربعة أسئلة مترابطة تدور حول شبهة خطيرة روج لها الرافضة في عامة كتبهم ومواقعهم للطعن في منهج أهل السنة والجماعة في حجية السنة ألا وهي احتمالية نفاق نقلة الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإليك إجابة هذه الأسئلة الأربعة تباعا:

أما السؤال الأول فعن معرفة المنافقين في عهد النبوة والصحابة. وجوابه :

نعم عرف علماء الحديث المنافقين في عهد رسُول اللّه ـ صَلَى اللّه عليه وسَلّم ـ والصحابة، بقرائن منها:
1ـ الآيات بل السور التي بينت علاماتهم، وخصائصهم ونزلت فيهم، خاصة في القرآن المدني في سور البقرة، والنساء، والتوبة، والمنافقون وغيرها.
2ـ آيات الأحكام المختصة بالمنافقين كالأمر بجهادهم، والحذر منهم، وعدم الصلاة عليهم مما يقتضي تعينهم لدى النّبيّ ـ صَلَى اللّه عليه وسَلّم ـ والصحابة.
3ـ إقسام الله بنبيه أنه سيعرفهم في قوله تعالى: { وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} {محمد:30}}.

قال الإمام الطبري رحمه الله: (فلتعرفنهم بعلامات النفاق الظاهرة منهم في فحوى كلامهم، وظاهر أفعالهم، ثم إن الله تعالى ذكره عرفه إياهم)

4ـ ما ثبت في صحيح البخاري عن حذيفة - رضي الله عنه – وهو صاحب سر رسُول اللّه ـ صَلَى اللّه عليه وسَلّم ـ العالم بأعيانهم :(ما بقي من المنافقين إلاَّ أربعة)
5ـ ما ورد عن الصحابة مما يدل على معرفتهم بهم كما ورد عن:
أـ عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه -وهو يتحدث عن صلاة الجماعة-: (ولقد رأيتنا، وما يتخلف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق‎( ‎ رواه مسلم.
ب ـ كعب بن مالك- رضي الله عنه -وهو يحكي قصة تخلفه عن غزوة تبوك-: (فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء). متفق عليه.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في (منهاج أهل السنة): وينبغي أن يعرف أن المنافقين كانوا قليلين بالنسبة إلى المؤمنين، وأكثرهم انكشف حاله لما نزل فيهم القرآن، وغير ذلك‎".

ونقل ابن سعد في (الطبقات الكبرى ) عن عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} {الأحزاب: 60} قَالَ: ( عُرِفَ الْمُنَافِقُونَ بِأَعْيَانِهِمْ).
ولا يخلو مدعي خلاف ما ذكرنا من شبهة دليل على مدعاه، لكننا آثرنا الاختصار.
وأما السؤال الثاني في الترضي عن الصحابة. فجوابه:
أنه ليس جميع من يترضى عنهم أهل السنة والجماعة صحابة، بل يترضون عن الصحابة وغيرهم. هذا في الأصل، وإن غلب قصر الترضي على الصحابة.

قال الإمام النووي في الأذكار:( يُسْتَحَبُّ الترضّي والترحّم على الصحابة، والتابعين فمن بعدهم من العلماء، والعبَّاد وسائر الأخيار، فيقال: رضي الله عنه، أو رحمهُ الله، ونحو ذلك. وأما ما قالهُ بعضُ العلماء: إن قوله رضي الله عنه مخصوص بالصحابة، ويقالُ في غيرهم: رحمهُ الله فقط؛ فليس كما قال، ولا يوافق عليه، بل الصحيحُ الذي عليه الجمهورُ استحبابهُ، ودلائله أكثر من أن تُحصر.)
وأما السؤال الثالث في كذب المنافقين في الحديث. فجوابه :
قال الدكتور محمد محمد أبو زهو في كتابه (الحديث والمحدثون) وهو يتحدث عن بداية دخول الوضع والكذب على السنة : " " كانت السنة النبوية في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مصونة من تقول الكذابين، محفوظة من دجل المنافقين، وذلك أنه فوق وجوده -صلى الله عليه وسلم- بين ظهراني المسلمين. يقضي على الخرافات والأكاذيب، فإن الوحي ما زال ينزل عليه، وكثيرا ما كان يفضح سر المنافقين، لذلك لم يجرؤ أحد أن يتقول على رسول الله -صلى الله عليه وسلم ـ في حياته، فلما كان زمن الشيخين احتاطا كثيرا للأحاديث، وأرهبا المنافقين والأعراب من التزيد فيها كما سبق لك بيانه ..."
ويدل لذلك ما ذكره الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ، في ترجمة أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ :"وكان أول من احتاط في قبول الأخبار"وفي ترجمة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ :"وهو الذي سنَّ للمحدثين التثبت في النقل"
وأما السؤال الرابع في التفرقة بين الصحابة والمنافقين من رواة الحديث. فجوابه:
أنه لما اشتدت الحاجة لبيان الفارق بين الصحابة والمنافقين بسبب الشبه الرافضية، والطعن في الصحابة انبرى علماء الإسلام قديما وحديثا لبيان الفوارق بين الطائفتين، ومن أفضل الكتب التي عنيت بهذه الفوارق كتاب: (الصحابة والمنافقون في صدر الإسلام سمات وإشارات - شبهات وردود ) للشيخ عبد الله بن سليمان الشايع .

وقد جعل الفصل الأول برمته في ذلك (الفصل الأول: تمييز القرآن بين الصحابة والمنافقين.) واستقصى شبه القوم والإجابة العلمية عنها حتى قال :"ولكن إن جاز اشتباه الحال في بعض الأفراد فلا يعني اشتباه الحال فيمن علم إيمانهم قطعاً، أو نفاقهم قطعاً..وقد التبس على بعض الناس الحال، فلم يميزوا بين الصحابة والمنافقين، فظنوا أن بعض الصحابة من المنافقين أو العكس؛ ولذا كان لزاماً تجلية هذه القضية وسبر غورها لمن التبست عليه" .
هذا من حيث الصفات والأخلاق، وأما من حيث الرواية والإسناد فبإمكان السائل أن يفرق بين الراوي العدل والمنافق وغيره من خلال الكتب التي عنيت برواة الأحاديث، فلقد اعتنى علماء الرجال والجرح والتعديل من أهل السنة بنقلة الأخبار عن النّبيّ ـ صَلَى اللّه عليه وسَلّم ـ وأخبارهم وأحوالهم، فصنفوا كتبا خاصة بالصحابة، وكتبا عامة لكل الرواة وهي متوفرة متداولة، فإذا وقفت على أي راو في الإسناد وراجعتها تبين لك حاله. وأشهر المختصة بالصحابة (الإصابة) و(الاستيعاب) و(معرفة الصحابة) وأشهر غير المختصة (الكمال في أسماء الرجال) وما تفرع عنه من تهذيب الكمال، وتهذيب التهذيب، وتقريب التهذيب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني