الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرياء.. تعريفه.. أحواله.. والتمييز بينه وبين الوساوس

السؤال

أسأل الله لكم المثوبة على الجهود. سؤالي هو: كيف نميز بين ما يجده المرء في نفسه من وساوس الرياء والعجب بفعله للطاعات وبين ما يكون رياء وعجبًا فعلًا؟ أي أن الشخص قد يشعر بأنه مراءٍ مع أنه يحرص على أن لا يقدم على أي طاعة أمام الناس, ولكنه يجد في نفسه ذلك فيجاهد نفسه، وكذلك العجب يرى أنه من أهل العبادات, وإذا قرأ آية فيها مدح لأصحاب الطاعات فإنه يصنف نفسه منهم, مع أنها خواطر قلبية, وإذا شعر بذلك استعاذ, وإذا خلا بربه ودعاه فإنه يدعو لأمور الآخرة, وأن يطهِّر قلبه من هذه الأمر, فكيف نميز بين ما هو وسواس عارض من الشيطان وبين ما هو واقع فعلًا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فقد عرف العلماء الرياء بقولهم: "هو أن يَفعل العبد الطاعة، ويترك المعصية مع ملاحظة غير الله، أو يُخبِر بها، أو يُحبَّ أن يُطَّلع عليها لمقصدٍ دنيوي مِن مال أو نحوه" وقال بعضهم: "الرِّيَاءُ طَلَبُ الْمَنْزِلَةِ فِي الْقُلُوبِ بِإِظْهَارِ الْعِبَادَاتِ" أو هو: "إرَادَةُ النَّفْعِ الدُّنْيَوِيِّ بِعَمَلِ الْآخِرَةِ أَوْ دَلِيلِهِ، وَمنه إعْلَامُهُ بِذَلِكَ, وَيُسَمَّى هَذَا بِالسُّمْعَةِ" وقال بعضهم: "هو أن يبتغي العبد الدنيا بعمل الآخرة, أو يقصد بعبادته غير الله".
ويمكن التمييز بين الرياء وبين مجرد الوساوس التي تخطر على قلبه ولا تؤثر على عبادته بأنه إذا كره تلك الوساوس, واجتهد في دفعها ولم تطمئن نفسه بها, فإن هذه الوساوس لا تُدخل العملَ في دائرة الرياء, وأما إذا استرسل معها حتى اطمأنت نفسه بها, ولم يكرهها, ولم يجتهد في دفعها فإنها تُدخِلُهُ في دائرة الرياء.

وخطرات الرياء التي يلقيها الشيطان في قلب العبد على ثلاثة أحوال بينها سلطان العلماء العز بن عبد السلام، وبين العلاج منها بقوله:
فصل فِي مَرَاتِب نفي الرِّيَاء للشَّيْطَان
فِي الرِّيَاء ثَلَاثَة أَحْوَال:
إحداهم: أَن يخْطر الرِّيَاء بقلب العَبْد.

الثَّانِيَة: أَن يزينه ويحببه إِلَى العَبْد.

الثَّالِثَة: أَن يَدعُوهُ إِلَيْهِ, ويحثه عَلَيْهِ بعد أَن حببه إِلَيْهِ.

فأسعد النَّاس من يدْفع الخطرة ويصرفها عَن قلبه, ويليه الَّذِي يَدْفَعهُ بعد تحسينه وتزيينه, ويليه الَّذِي لَا يتعاطاه بعد حث الشَّيْطَان عَلَيْهِ ودعائه إِلَيْهِ, وَهَذَا جَارٍ فِي جَمِيع الْمعاصِي, ويندفع دُعَاء الشَّيْطَان إِلَى الرِّيَاء وَإِلَى جَمِيع أَنْوَاع الْعِصْيَان بشيئين:
أَحدهمَا: كَرَاهِيَة الْمعْصِيَة والرياء.
وَالثَّانِي: الِامْتِنَاع مِمَّا كرهه.
وَإِنَّمَا تحصل الْكَرَاهَة بتذكر مَا فِي تِلْكَ الْمعْصِيَة أَو الرِّيَاء من سخط الله تَعَالَى وغضبه وعقابه, وَبِمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ مِمَّا ذَكرْنَاهُ من مضار الدَّاريْنِ. اهــ
وانظر الفتوى رقم: 176067عن كيف يفعل المبتلى بالوسوسة في باب الرياء , والفتوى رقم: 134994عن سبيل التخلص من آفة الرياء, و الفتوى رقم: 178375 عن مآل العمل الصالح إذا ورد عليه الرياء والسمعة, والفتوى رقم: 126715عن التقرب إلى الله بالعبادة مع ملاحظة حظ النفس فيها هل يعد رياء؟

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني