الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وقت صوم الأيام الثلاثة والسبعة للمتمتع الذي لا يجد الهدي

السؤال

عندما كنت في الحج صمت يوم التروية, ويوم عرفة, وثاني أيام العيد, ثم بعد ذلك سأصوم من السادس عشر من ذي الحجة إلى الثاني والعشرين منه؛ لأني حججت متمتعة, فهل صومي هكذا صحيح؟ وهل آثم لأني صمت يوم عرفة؟ فقد سمعت بعد ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن صيام الحاج يوم عرفة, أفيدوني - أفادكم الله -.

الإجابــة

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن أحرم بالعمرة متمتعًا بها إلى الحج، فإنه يلزمه أن يذبح هديًا، فإن لم يجد الهدي فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج, وسبعة إذا رجع إلى أهله؛ لقوله تعالى: فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ {البقرة: 196}.

وعلى هذا, فإذا كنت متمتعة ولم تجدي هديًا فيجزئك صيام عشرة أيام, وما قمت به من صيام يوم التروية, وعرفة, وثاني أيام العيد أمر مجزئ, ولا حرج عليك فيه, وإن كان الأفضل في حقك صيام الثلاثة الأيام قبل يوم عرفة؛ لتكوني مفطرة في ذلك اليوم؛ لأجل التقوي على الدعاء, قال ابن قدامة في المغني: ولكل واحد من صوم الثلاثة والسبعة وقتان: وقت جواز، ووقت استحباب.

فأما وقت الثلاثة، فوقت الاختيار لها أن يصومها ما بين إحرامه بالحج ويوم عرفة، ويكون آخر الثلاثة يوم عرفة, قال طاوس: يصوم ثلاثة أيام، آخرها يوم عرفة, وروي ذلك عن عطاء, والشعبي, ومجاهد, والحسن, والنخعي, وسعيد بن جبير, وعلقمة, وعمرو بن دينار, وأصحاب الرأي.

وروى ابن عمر, وعائشة أن يصومهن ما بين إهلاله بالحج ويوم عرفة, وظاهر هذا أن يجعل آخرها يوم التروية, وهو قول الشافعي؛ لأن صوم يوم عرفة بعرفة غير مستحب, وكذلك ذكر القاضي في المحرر, والمنصوص عن أحمد الذي وقفنا عليه مثل قول الخرقي: أنه يكون آخرها يوم عرفة، وهو قول من سمينا من العلماء، وإنما أحببنا له صوم يوم عرفة ها هنا لموضع الحاجة. انتهى.

وجاء في فتاوى الشيخ ابن باز: فإن عجز المتمتع والقارن عن الهدي وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام في الحج, وسبعة إذا رجع إلى أهله، وهو مخير في صيام الثلاثة، إن شاء صامها قبل يوم النحر، وإن شاء صامها في أيام التشريق الثلاثة، قال تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآية.

وفي صحيح البخاري، عن عائشة, وابن عمر - رضي الله عنهم - قالا: «لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي»، وهذا في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل أن يقدم صوم الأيام الثلاثة على يوم عرفة؛ ليكون في يوم عرفة مفطرًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف يوم عرفة مفطرًا، ونهى عن صوم يوم عرفة بعرفة، ولأن الفطر في هذا اليوم أنشط له على الذكر والدعاء. انتهى.

وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 18245 أن الراجح جواز صيام أيام التشريق للمتمتع الذي لا يجد الهدي.

ولا إثم عليك في صيام يوم عرفة, فقد صامه بعض الصحابة, وإنما أفطره النبي صلى الله عليه وسلم لبيان إباحة الفطر للحاج؛ لكي لا يضعف عن الدعاء, جاء في فتح الباري لابن حجر: واستدل بهذين الحديثين على استحباب الفطر يوم عرفة بعرفة, وفيه نظر؛ لأن فعله المجرد لا يدل على نفي الاستحباب؛ إذ قد يترك الشيء المستحب لبيان الجواز, ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ, نعم, روى أبو داود, والنسائي - وصححه ابن خزيمة, والحاكم - من طريق عكرمة, أن أبا هريرة حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة.

وأخذ بظاهره بعض السلف, فجاء عن يحيى بن سعيد الأنصاري, قال: يجب فطر يوم عرفة للحاج, وعن ابن الزبير, وأسامة بن زيد, وعائشة: أنهم كانوا يصومونه, وكان ذلك يعجب الحسن, ويحكيه عن عثمان, وعن قتادة مذهب آخر, قال: لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء, ونقله البيهقي في المعرفة عن الشافعي في القديم, واختاره الخطابي, والمتولي من الشافعية.

وقال الجمهور: يستحب فطره؛ حتى قال عطاء: من أفطره ليتقوى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم, وقال الطبري: إنما أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة؛ ليدل على الاختيار للحاج بمكة؛ لكي لا يضعف عن الدعاء. انتهى

وبخصوص صيام الأيام السبعة الباقية ابتداء من السادس عشر من ذي الحجة, فهو مجزئ أيضًا, ولو كان الصيام في مكة, وإن كان الأفضل تأخير صيامها حتى ترجعي لبلدك, جاء في المغني لابن قدامة: وأما السبعة، فلها أيضا وقتان؛ وقت اختيار، ووقت جواز.

أما وقت الاختيار، فإذا رجع إلى أهله؛ لما روى ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فمن لم يجد هديًا، فليصم ثلاثة أيام في الحج, وسبعة إذا رجع إلى أهله». متفق عليه.

وأما وقت الجواز، فمنذ تمضي أيام التشريق, قال الأثرم: سئل أحمد، هل يصوم في الطريق أو بمكة؟ قال: كيف شاء. وبهذا قال أبو حنيفة، ومالك.

وعن عطاء، ومجاهد: يصومها في الطريق. وهو قول إسحاق.

وقال ابن المنذر: يصومها إذا رجع إلى أهله؛ للخبر. ويروى ذلك عن ابن عمر, وهو قول الشافعي, وقيل عنه كقولنا، وكقول إسحاق.

ولنا، أن كل صوم لزمه، وجاز في وطنه، جاز قبل ذلك، كسائر الفروض، وأما الآية، فإن الله تعالى جوز له تأخير الصيام الواجب، فلا يمنع ذلك الإجزاء قبله. انتهى

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني