الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عدد من ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين

السؤال

من هم الصحابة الذين وقفوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء انسحاب جيش المسلمين في غزوة حنين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد تعددت المرويات في الذين ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، فقيل: أربعة، وقيل: عشرة أو اثنا عشر، وقيل: ثمانون، وقيل: مائة. ورجح ابن حجر العسقلاني أنهم كانوا عشرة، وهم: أبو بكر وعمر وابن مسعود والعباس وابنه الفضل وعلي وأبو سفيان بن الحارث وأخوه ربيعة وأسامة بن زيد، وأخوه من أمه أيمن بن أم أيمن، ثم إن آخرين قد عادوا بسرعة إلى المعركة فعدّوا فيمن لم ينهزم.
جاء في فتح الباري لابن حجر: وعند ابن أبي شيبة من مرسل الحكم بن عتيبة قال: لما فر الناس يوم حنين جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنا النبي لا كذب، أنا بن عبد المطلب. فلم يبق معه إلا أربعة نفر: ثلاثة من بني هاشم، ورجل من غيرهم علي والعباس بين يديه، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان، وابن مسعود من الجانب الأيسر. قال: وليس يقبل نحوه أحد إلا قتل. وروى الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال: لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولين، وما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل. وهذا أكثر ما وقفت عليه من عدد من ثبت يوم حنين. وروى أحمد والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى عنه الناس، وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار فكنا على أقدامنا، ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة، وهذا لا يخالف حديث ابن عمر فإنه نفى أن يكونوا مائة، وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين، وأما ما ذكره النووي في شرح مسلم أنه ثبت معه اثنا عشر رجلا، فكأنه أخذه مما ذكره بن إسحاق في حديثه أنه ثبت معه العباس، وابنه الفضل، وعلي، وأبو سفيان بن الحارث، وأخوه ربيعة، وأسامة بن زيد، وأخوه من أمه أيمن ابن أم أيمن. ومن المهاجرين أبو بكر وعمر فهؤلاء تسعة. وقد تقدم ذكر ابن مسعود في مرسل الحاكم، فهؤلاء عشرة. ووقع في شعر العباس بن عبد المطلب أن الذين ثبتوا كانوا عشرة فقط وذلك قوله:

نصرنا رسول الله في الحرب تسعة وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا

وعاشرنا وافى الحمام بنفسه لما مسه في الله لا يتوجع

ولعل هذا هو الثبت، ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم. وممن ذكر الزبير بن بكار وغيره أنه ثبت يوم حنين أيضا جعفر بن أبي سفيان بن الحارث، وقثم بن العباس، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، وشيبة بن عثمان الحجبي.

وقد جمع الأخ إبراهيم بن إبراهيم قريبي مرويات غزوة حنين في كتابه: (مرويات غزوة حنين وحصار الطائف) ثم قال: قلت: لعل ما قاله ابن حجر هو الصواب، ويؤيده ما ورد عند ابن إسحاق من حديث العباس بن عبد المطلب بإسناد صحيح قال: إني لمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها، قال: وكنت امرأ جسيما شديد الصوت، قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين رأى ما رأى من الناس: "أين أيها الناس؟ فلم أر الناس يلوون على شيء، فقال العباس، اصرخ: يا لمعشر الأنصار، يا أصحاب السمرة، قال: فأجابوا لبيك لبيك! قال: فيذهب الرجل ليثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه، فيقذفها في عنقه، ويأخذ سيفه وترسه، ويقتحم عن بعيره، ويخلي سبيله، فيؤم الصوت، حتى ينتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا". الحديث. فهذا يدل على أن بعضهم عاد بسرعة إلى المعركة فكأنه لم ينهزم، وممن صرح باسمه لأنه ثبت يوم حنين غير من تقدم: قثم بن العباس، وعتبة، ومعتب ابنا أبي لهب، وعبد الله بن الزبير، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، وشيبة بن عثمان الحجبي، وأبو دجانة - سماك بن خرشة الأنصاري - وأبو طلحة - زيد بن سهل الأنصاري - وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير، وأبو بشر المازني الأنصاري. ومن النساء: أم سليم - والدة أنس بن مالك -، وأم عمارة - يقال اسمها نسيبة بنت كعب بن عمرو الأنصارية، والدة عبد الله بن زيد -، وأم الحارث - جدة عمارة بن غزية الأنصارية-، وأم سليط - والدة سليط بن أبي سليط بن أبي حارثة. هؤلاء الذين نص على أسمائهم بأنهم ثبتوا يوم حنين، وهم مفرقون في الأحاديث، ومنهم من نص عليه في ترجمته. وقد تحقق لدي من خلال هذه الروايات الكثيرة المتباينة في ظاهرها حول رصد الذين ثبتوا يوم حنين من المسلمين، أن أولى الأقوال بالقبول هو قول (ابن حجر) ولا تنافي بين العشرة المذكورين في شعر العباس، وبين القول أنهم كانوا اثني عشر لتقارب العدد في ذلك، ولا شك أن هول الموقف وشدة الأزمة أديا إلى هذا الاختلاف في النظر إلى عدد الذين صمدوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لكن المقبول قوله في ذلك هو العباس؛ لأنه أعلم من غيره، حيث كان أبرز الثابتين يوم حنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي طلب منه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ينادي في الناس، فكان قوله مقدما على غيره، ومن قال بأنهم ثمانون أو مائة يحمل على المسرعين في إجابة نداء العباس، وهذا ما أرجحه في هذه المسألة. والله أعلم.
وانظر الدروس المستفادة من الغزوة في الفتوى رقم: 47039
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني