الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم المداومة على أداء الصلوات في آخر وقتها

السؤال

شخص يصلي الصبح قبل الظهر بعشر دقائق، ويصلي الظهر قبل العصر بعشر دقائق، ويصلي العصر قبل أذان المغرب بعشر دقائق، وكذا الحال مع بقية الصلوات، فهل صلاته صحيحة؟ وهل يخرج وقت الصلاة بسماع أذان الصلاة الموالية لها؟ أم إن وقت الصلاة يخرج قبل الأذان بفترة طويلة؟ وإن كان الأمر كذلك فنرجو توضيح المدة الزمنية بالدقائق التي قد نقول فيها إن الصلاة قد خرج وقتها؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فأما صحة تلك الصلوات: فاعلم أولا أن المقصود بالصحة سقوط المطالبة بها, بغض النظر عن كون المكلف يثاب عليها أم لا, وبغض النظر عن كونه يعاقب على تأخيرها أم لا, فإذا قيل إن الصلاة صحيحة، فمعناه أنه سقطت عنه المطالبة بها, ذكر النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح حديث: مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ـ قال: إن لِكُلِّ طَاعَةٍ اعْتِبَارَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: سُقُوطُ الْقَضَاءِ عَنِ الْمُؤَدِّي.

وَثَانِيهِمَا: تَرْتِيبُ حُصُولِ الثَّوَابِ، فَعَبَّرَ عَنْ عَدَمِ تَرْتِيبِ الثَّوَابِ بِعَدَمِ قَبُولِ الصَّلَاةِ. اهـ.

إذا تبين لك هذا، فالصلوات التي ذكرت أن صاحبها صلاها في تلك الأوقات تعتبر صحيحة إذا كانت مكتملة الشروط والأركان، سواء ما فعله منها في آخر وقتها أداء، أو ما فعله منها بعد خروج وقتها قضاء, فهي كلها صحيحة أي أن المطالبة بها تسقط، إلا أن ما أخره منها إلى ما بعد خروج وقتها من غير عذر من نوم أو نسيان، فإنه يأثم، لكونه ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، وتلزمه التوبة إلى الله تعالى، وفي الحديث: وَلَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا، فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ. رواه أحمد.

وذهب بعض الفقهاء إلى أنها لا تصح منه ولو قضاها ما دام قد تعمد إخراجها عن وقتها من غير عذر، ولا ينبغي أن تؤخر الصلاة إلى آخر وقتها, جاء في الموسوعة الفقهية: أَمَّا تَأْخِيرُ الصَّلاَةِ إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا فَهُوَ خِلاَفُ الأْوْلَى... وَيُكْرَهُ التَّأْخِيرُ إِلَى أَحَدِ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ. اهـ.

ومن صلى الظهر آخر وقتها قبل دخول وقت العصر، فلا إثم عليه، لأنه صلاها في الوقت المحدد لها شرعا, إلا أنه فاته أجر التبكير, وانظر الفتوى رقم: 178441عن حكم تأخير الظهر إلى قرب العصر طيلة العام.

وكذا تأخير المغرب إلى آخر وقتها قبل دخول وقت العشاء، لأن المغرب قد ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه ليس لها وقت ضرورة, قال المرداوي في الإنصاف عن الفجر: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ، بَلْ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَجَوَازٍ، كَمَا فِي الْمَغْرِبِ وَالظُّهْرِ. اهـ.
ولا يجوز تأخير صلاة العصر إلى وقت الاصفرار من غير عذر عند كثير من الفقهاء، لأنه وقت ضرورة, جاء في حاشية العدوي: وَمَبْدَؤُهُ فِي الْعَصْرِ الِاصْفِرَارُ، وَانْتِهَاؤُهُ فِيهِمَا غُرُوبُ الشَّمْسِ. اهـ.

قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ ـ وَلَا بَعْضِهَا ـ إلَى وَقْتِ ضَرُورَةٍ, مَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اهـ.

وعلى ما صححه، فإن من أخرها بغير عذر فهو آثم والصلاة صحيحة، ووقت الصلاة بالنسبة للفجر لا يخرج بأذان الظهر، بل بشروق الشمس, ووقت الصلاة بالنسبة لغيرها يخرج بدخول وقت التي تليها وليس بمجرد الأذان، إذ من المعلوم أن المؤذن قد يؤذن عند دخول الوقت، وقد يُخطئ فيؤذن قبله أو بعده بزمن، ويعرف زمن خروج الوقت بالعلامات التي نصبها الشارع، وهذه تختلف باختلاف البلدان والأزمان صيفا وشتاء، فلا يمكن تحديدها بالدقائق، وانظر الفتوى رقم: 143083، عن كون الأصل في معرفة دخول الوقت الأمارات الكونية لا التقاويم الحسابية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني