الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرؤية الفقهية في قاعدة: اليسير معفو عنه

السؤال

القاعدة الفقهية:" اليسير مغتفر" أو " اليسير معفو عنه" أو بما معناه.
هل يمكن تخريج أي أمر يسير عليها كيسير النجاسة، ويسير كشف العورة في الصلاة، ويسير الحركة في الصلاة وغيرها من الفروع، أم هناك شروط، وضوابط لهذه القاعدة؟
وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فلا شك أن القول بأن اليسير مغتفر، يجري في كثير من الفروع الفقهية, ولكن لم نجد أحدا من أهل العلم ذكر أنها قاعدة مطردة, وليس كل يسير يعفى عنه، فقد اتفق الفقهاء على بطلان الصلاة بالكلام عمدا ولو يسيرا.

جاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على أن الصلاة تبطل بالكلام المتعمد، سواء كان كثيرا أو يسيرا، ما لم يكن لإصلاح الصلاة. اهـ.

واتفقوا على أن خروج الريح، مبطل للوضوء، ولو كان يسيرا.

وحتى اليسير الذي قيل بالعفو عنه، فإنه كثيرا ما يكون محل خلاف بينهم، بحيث لا يقول بعض الفقهاء بالعفو عنه, ومن ذلك مثلا:
1) أن الحنابلة لا يعفى عندهم عن النجاسة ولو كانت يسيرة لم يدركها الطرف، غير يسير الدم، بينما يرى الجمهور العفو عن يسير النجاسة في الجملة؛ وانظر الفتوى رقم: 134899 .
2) والشافعية لا يرون العفو عن يسير انكشاف العورة في الصلاة، بينما يرى غيرهم العفو عنها.

جاء في الموسوعة الفقهية: ولم يقيّد المالكيّة، والشّافعيّة البطلان بقيود، وعندهم أنّ مطلق الانكشاف يبطل الصّلاة.

قال النّوويّ: فإن انكشف شيء من عورة المصلّي، لم تصحّ صلاته سواء أكثر المنكشف أم قلّ، ولو كان أدنى جزء. اهـ.

3) والشافعية يرون أن السكوت اليسير في الفاتحة بنية القطع، يبطل القراءة، ويلزم استئنافها.

قال النووي في روضة الطالبين: وإن نوى قطعها، وسكت يسيرا، بطلت قراءته على الصحيح. اهـ.

بينما يرى الحنابلة أن هذا معفو عنه.

قال في كشاف القناع: وَلَا تَبْطُلُ الْقِرَاءَةُ بِنِيَّةِ قَطْعِهَا وَلَوْ سَكَتَ يَسِيرًا، فَيَبْنِي عَلَى مَا قَرَأَهُ. اهـ.

4) وأجاز بعض الفقهاء المسح على الخف المخرق يسيرا، بينما منع آخرون المسح عليه.

قال في بداية المجتهد: وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُخَرَّقِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: يَمْسَحُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ الْخَرْقُ يَسِيرًا، وَحَدَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا يَكُونُ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ. وَقَالَ قَوْمٌ بِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ الْمُنْخَرِقِ مَا دَامَ يُسَمَّى خُفًّا، وَإِنْ تَفَاحَشَ خَرْقُهُ، وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ ذَلِكَ الثَّوْرِيُّ، وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَدَّمِ الْخُفِّ خَرْقٌ يَظْهَرُ مِنْهُ الْقَدَمُ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَنْهُ. اهــ.

والفروع الفقهية التي اختلف العلماء في العفو عن اليسير فيها كثيرة, والمقصود أن القول بالعفو عن اليسير لا يُسحب على كل يسير، ويتخذ هذا قاعدة مطردة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني