الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف تتعامل البنت مع والديها المشتغلين بالسحر

السؤال

أنا غير متزوجة، وأسكن عند أبوين غير مسلمين، ويتظاهران بالإسلام فقط، وقد رأيت منهما كرها شديدا لكتاب الله، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى أنهما يستعملان السحر، ويستجيبان لأوامر الجن، ويتسببان بإيذائي؛ لأني مسلمة. فكم من مرة حين أضع القرآن يؤذياني، ويسبان الرسول عليه الصلاة والسلام، وحين أمدح رسول الله عليه الصلاة والسلام يغضبان، وتعرضت لأذى شديد منهما.
فسـؤالي: هل جلوسي بينهما جائز؟ وهل يغضب الله علي لجلوسي بينهما؟ فأنا أشعر بالذنب لجلوسي عند من يغضبان الله.
•وهل أكون ممن قال فيه صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين)
وهل أكون ممن قال تعالى فيه: {الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:97]
مع العلم أنه لا يوجد لدي محرم حتى أخرج من عندهما، والرسول صلى الله عليه وسلم حرم خروج المرأة بدون محرم.
• وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر‏، ‏تسافر مسيرة يوم، إلا ومعها ذو محرم‏.
فأنا لا أقدر على الخروج، وإن خرجت لا أعلم أين سأذهب ولا يوجد لدي محرم.
فهناك أدلة توجب الخروج والهجرة، وهناك أدلة تحرم خروج المرأة بدون محرم.
•وإذا أنعم الله علي بنعمه أتوقع أنها استدراج من الله؛ لأني عصيته، وأقمت بينهما وهما يغضبان الله.
هل إقامتي بينهما جائزة؟
أرجو الإجابة بالتفصيل.
جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان هذان الوالدان على ما ذكرت فعلا، فهما كافران كفرا مخرجا من ملة الإسلام، فكره كتاب الله، وكره رسول الإسلام وسبه كفر؛ قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ {محمد:9}. وقال سبحانه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ {التوبة65 :66}.

وقد أجمع أهل العلم على كفر من سب الرسول صلى الله عليه وسلم، نقل الإجماع إسحاق بن راهويه ومحمد بن سحنون، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 1845، والفتوى رقم: 44469. والسحر، والاستعانة بالجن، فيه كفر بالله تعالى، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 57659.

فالواجب نصح هذين الوالدين، وبيان الحق لهما بالحكمة، والموعظة الحسنة، ومن منطلق الشفقة عليهما، والأولى أن تسلطي عليهما بعض العلماء الفضلاء، ليبينا الحق لهما أتم البيان، عسى الله أن يلهمهما رشدهما، ويردهما إلى جادة الصواب، فيزول الإشكال من أصله.

وإن استمرا على ما هما عليه، فهما مرتدان.

ويجب عليك الحذر من أي قول أو فعل يصدر منك بحضرتهما يستفزهما، ويدفعهما إلى سب الدين، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم.

وبخصوص مساكنتهما راجعي الفتوى رقم: 150797. والواجب عليك الإنكار على من وقع منهما في الكفر بما تقدرين عليه، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. أخرجه مسلم.

ويتعين عليك مفارقتهما وعدم الجلوس معهما حال وقوعهما في الكفر، أو أي منكر دونه؛ وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 182039.

وإذا كانا في الكلام عن موضوع آخر مباح، فلا حرج في الجلوس معهما، فإنهما قد خاضا في حديث غيره، فجازت مجالستهما.

قال السعدي: حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ {النساء:140}، أي: غير الكفر بآيات الله، والاستهزاء بها. اهـ.

وننبه إلى وجوب مصاحبتهما بالمعروف، والإحسان إليهما مع كفرهما؛ لأن هذا ما جاء به الشرع الحكيم؛ وراجعي الفتوى رقم: 11550.

كما ننبه إلى أن من أفضل ما يساعدك على الخروج من هذه المحنة: أمر الزواج، فينبغي أن تسعي فيه، وتستعيني بالصالحات من قريباتك أو صديقاتك، فلا حرج على المرأة في أن تبحث عن الزوج الصالح، أو أن تعرض نفسها على من ترغب في زواجه منها كما بينا في الفتوى رقم: 18430.

وننبه أيضا إلى أن المحرم يشترط في السفر لا في الإقامة، ولا يجوز لك على كل الخروج من بيت أبويك إلى مكان يمكن أن تتعرضي فيه للخطر والضرر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني