الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القول في اجتهادات عائشة إذا خالفها غيرها، وهل يقتضي ذلك رد فتاواها كلها؟

السؤال

بعض الناس يقول: لا حجة في فتوى عائشة لأنها تخالف السنة، فكانت تمشي بنعل واحدة، وتقول: لأخيفن أبا هريرة، وهو الراوي لذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأيضًا ما روى القاسم بن محمد:(أنَّها كانت لا ترَى بلحومِ السِّباعِ بأسًا، والحُمرةِ والدَّمِ يكونان على القِدرِ بأسًا، وقرأت هذه الآيةَ: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال ابن كثير - رحمه الله -: صحيح غريب، فأرجو الرد.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد تباينت أقوال أهل العلم في حجية قول الصحابي، وأقرب الأقوال إلى الصواب هو أن قول الصحابي إذا انتشر، ولم يخالف فهو حجة، وإجماع سكوتي، وأما إذا لم ينتشر أو كان له مخالف من الصحابة، فليس بحجة، ولكن يستأنس به، وانظر الفتوى رقم: 121996، وما أحيل عليه فيها.

وعلى ذلك فاجتهادات عائشة - رضي الله عنها - لا تكون حجة إذا خالفها غيرها من الصحابة، أو خالفت نصًّا، وهذا لا يعني رد فتاواها جملة، وإنما يؤخذ من قولها ويرد، كما هو الحال مع غيرها من الصحابة، وسائر البشر باستثناء المعصوم صلوات الله وسلامه عليه.

وبخصوص مشي عائشة بنعل واحدة، فقد أجبنا عن ذلك في فتوانا رقم: 243001.

وأما كونها لا ترى بأسًا بالحمرة والدم يكونان على القدر، فهذا لأن المحرم إنما هو الدم المهراق - المسفوح - الذي يخرج من الحيوان عند الذبح أو الجرح.

أما الدم الذي في عروق اللحم فليس بمحرم، والدليل على هذا مفهوم قوله تعالى: دَمًا مَسْفُوحًا فإنه يدل بمفهوم المخالفة على إباحة الدم غير المسفوح، وهذا هو المعروف عن الصحابة - رضوان الله عليهم - قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فما زال الصحابة - رضوان الله عليهم - على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يأخذون اللحم فيطبخونه، ويأكلونه بغير غسل، وكانوا يرون الدم في القدر خطوطًا؛ وذلك أن الله إنما حرم عليهم الدم المسفوح؛ أي: المصبوب المهراق، فأما ما يبقى في العروق فلم يحرمه، ولكن حرم عليهم أن يتبعوا العروق كما تفعل اليهود. انتهى.

وأما كونها لا ترى بأسًا بأكل لحوم السباع، فهو اجتهاد منها، حيث استدلت على حل ذلك بعدم استثنائه من عموم الآية، ومن ثم فقد ذهب بعض العلماء إلى أن النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع محمول على الكراهة فقط.

أما جمهور العلماء فحملوه على التحريم، وانظر الفتوى رقم: 121300.

وننبه إلى أن عائشة، وغيرها من الصحابة - رضوان الله عليهم - لا يتعمدون مخالفة السنة، فهم أجلّ من ذلك، وإنما قد تقع منهم المخالفة باجتهاد، أو تأويل، أو للشك في الناقل، وراجع بشأن سبب رد عائشة - رضي الله عنها - لبعض الأحاديث فتوانا رقم: 172963.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني