الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم بيع السلعة قبل حيازتها

السؤال

أسعى إلى إنشاء موقع تجاري لبيع العديد من السلع نحو جميع أنحاء العالم, وأنا حريص أشد الحرص على الكسب الحلال, أعلم أنه لا يحل لي أن أبيع سلعة ما قبل تملكها، ودفع ثمنها، ولكن: هل يحل لي أن أبيع هذه السلعة بدون أن تكون في حوزتي(في مستودعي أنا شخصيا) يعني هل يمكنني شراء السلع، ودفع ثمنها كاملا، ولكن تركها عند محل البائع, ثم عرضها في موقعي التجاري, وعندما يطلبها أي زبون، أكلف البائع الذي تركت عنده سلعتي أن يشحنها مباشرة للزبون، وأعطيه أجرا على هذه الخدمة الإضافية إذا طالب بأجر؟
شكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالسلع إما أن تكون طعاما أو غيره. فإن كانت طعاماً، فلا بد من قبضها قبل بيعها؛ للحديث المتفق عليه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: من ابتاع طعاماً، فلا يبعه حتى يقبضه.

وأما إذا كانت غير طعام، فقد اختلف العلماء في حكم بيعها قبل قبضها، فمنهم من أطلق منع بيع كل مبيع قبل قبضه، مستدلاً بقول ابن عباس راوي الحديث: وأحسب كل شيء مثله.

ومن العلماء من قصر منع البيع قبل القبض على الطعام، قصراً للحكم على النص، وهو مذهب الإمام مالك، ووافقه الكثيرون، كما قال الإمام النووي.

فهي إذاً مسألة خلافية إن كان المبيع غير طعام، لكن الراجح لزوم قبض المبيع مطلقا قبل بيعه؛ لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. فقد روى أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. ولكن هذه الحيازة قد تكون حقيقية، وقد تكون حكمية، وهي كافية لاعتبار القبض والتملك كالحيازة الحقيقية، والقبض الحقيقي.

جاء في بدائع الصنائع للكاساني: ولا يشترط القبض بالبراجم؛ لأن معنى القبض هو التمكين، والتخلي، وارتفاع الموانع عرفا، وعادة حقيقة. اهـ.

ومن أدلة ما تقدم الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنت على بكر صعب لعمر، فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم، فيزجره عمر ويرده، ثم يتقدم، فيزجره عمر ويرده. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: بعنيه، قال: هو لك يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعنيه. فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو لك يا عبد الله بن عمر، تصنع به ما شئت.

ففي الحديث أن الجمل دخل في ملكية النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد العقد ولم يقبضه الرسول صلى الله عليه وسلم بيده، أو ينقله نقلا فعليا.

قال الحافظ ابن حجر: وقد احتج به المالكية، والحنفية في أن القبض في جميع الأشياء بالتخلية، وإليه مال البخاري. اهـ.

وجاء في كتاب المعايير الشرعية: 3/2/4 يعتبر قبضاً حكمياً تسلم المؤسسة، أو وكيلها لمستندات الشحن عند شراء البضائع من السوق الخارجية، وكذلك تسلمها لشهادات التخزين التي تعين البضاعة من المخازن التي تدار بطرق مناسبة موثوق بها.

3/2/5 الأصل أن تتسلم المؤسسة السلعة بنفسها من مخازن البائع، أو من المكان المحدد في شروط التسليم، وتنتقل مسؤولية ضمان المبيع إلى المؤسسة بتحقق حيازتها للسلعة، ويجوز للمؤسسة توكيل غيرها للقيام بذلك نيابة عنها. اهـ.

وعلى كل، فبيع السلع ما لم يتم قبضها وفق ما بيناه، لا يجوز ولو لم تكن طعاما، فلا بد من مراعاة ذلك؛ وانظر الفتوى رقم: 153539.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني