الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشروعية سؤال الله تعالى برهانا لطمأنينة القلب وزيادة الإيمان

السؤال

هل يجوز للمسلم أن يطلب من ربه أن يريه برهانا لكي يطمئن قلبه، كما حدث مع سيدنا إبراهيم، ويكون ذلك البرهان يقينا لنفسه أنه مؤمن؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فطلب الخليل إبراهيم عليه السلام، إنما كان عن كيفية إحياء الله تعالى للموتى، فأراد أن يريه الله ذلك، ليصل إلى عين اليقين، بعد أن بلغ علم اليقين.

قال السعدي: لأنه قد تيقن ذلك بخبر الله تعالى، ولكنه أحب أن يشاهده عيانا ليحصل له مرتبة عين اليقين؛ فلهذا قال الله له: {أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} وذلك أنه بتوارد الأدلة اليقينية مما يزداد به الإيمان، ويكمل به الإيقان، ويسعى في نيله أولو العرفان ... وهذا من ملكوت السماوات والأرض الذي أراه الله إياه في قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين}. اهـ.
وقال ابن عاشور في (التحرير والتنوير): فإن إبراهيم لفرط محبته الوصول إلى مرتبة المعاينة في دليل البعث، رام الانتقال من العلم النظري البرهاني، إلى العلم الضروري، فسأل الله أن يريه إحياء الموتى بالمحسوس. اهـ.
وقال البخاري في صحيحه: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس. وهو قول، وفعل، ويزيد وينقص، قال الله تعالى: {ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} ... وقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {ولكن ليطمئن قلبي} ... اهـ.

قال ابن حجر في (فتح الباري): أشار إلى تفسير سعيد بن جبير ومجاهد وغيرهما لهذه الآية، فروى ابن جرير بسنده الصحيح إلى سعيد قال: قوله {ليطمئن قلبي} أي يزداد يقيني. وعن مجاهد قال: لأزداد إيمانا إلى إيماني. اهـ.
وفي ذلك دلالة على مشروعية سؤال الله تعالى برهانا يحصل به اليقين وزيادة الإيمان؛ فإن الإيمان يزيد وينقص، يقوى ويضعف، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم. رواه الطبراني والحاكم وقال: رواته مصريون ثقات. ولم يتعقبه الذهبي. وحسنه العراقي والهيثمي والألباني.
ومن شواهد ذلك ما جاء في قصة أصحاب الأخدود، لما أتى الغلام على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال: اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل، فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس ... الحديث، رواه مسلم.
ومن ذلك أيضا ما رواه ابن عمر قال: كنت غلاما شابا، عزبا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكنت أبيت في المسجد، وكان من رأى مناما قصه على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: اللهم إن كان لي عندك خير فأرني مناما يعبره لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنمت، فرأيت ملكين أتياني فانطلقا بي ... الحديث. رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني