الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشروعية دعاء القفول من السفر لكل عائد

السؤال

أحسن الله إليكم، وبارك في علمكم، يقول السائل: المسافر إذا سافر إلى بلد لمدة يومين فقط أو ثلاثة هل إذا خرج من ذلك البلد الذي سافر إليه قافلا إلى بلده يقول دعاء السفر أم هذا الدعاء خاص بمن أقام في بلد أكثر من أربعة أيام ثم خرج منها؟ لأن الذي أشكل عليّ أنه لم ينقطع عنه اسم السفر ما دامت المدة قصيرة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فكل عائد من السفر يُشرع له دعاء السفر؛ ولم يفرق العلماء -فيما نعلم- بين طول مدة السفر وقصرها، وبوب ابن أبي شيبة -رحمه الله-: الراجع من سفره، ما يقول.

وبوب الدارمي -رحمه الله-: باب ما يقول إذا قفل من السفر.

وبوب البخاري -رحمه الله-: (باب الدعاء إذا أراد سفرا أو رجع فيه).

وقال الترمذي -رحمه الله-: باب ما يقول إذا قدم من السفر.

وبوب ابن حبان -رحمه الله- في صحيحه: ذكر ما يقول المرء عند قفوله من الأسفار.

وكلهم يروي عن ابن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة، كبّر على كل شرف في الأرض ثلاث تكبيرات... الحديث.

وقال النووي -رحمه الله- في الأذكار: (بابُ ما يقولُ إذا رَجَعَ مِن سَفرِهِ)

السنّة: أن يقول ما قدّمناه في حديث ابن عمر المذكور قريبًا في " باب تكبير المسافر إذا صَعِدَ الثنايا ". وروينا في " صحيح مسلم " عن أنس -رضي الله عنه- قال: أقبلنا مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنا وأبو طلحة، وصفيّة رديفته على ناقته، حتى إذا كنّا بظهر المدينة قال: آيِبُونَ تائِبُونَ عابِدُون لِرَبِّنا حامِدُونَ، فلم يزلْ يقولُ ذلك حتى قَدِمْنَا المدينة. انتهى.

قال المناوي في فيض القدير: فيسن الذكر الآتي لكل سفر طاعة، بل ومباحا، بل عداه المحقق أبو زرعة للمحرم محتجا بأن مرتكب الحرام أحوج للذكر من غيره؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات، ونوزع بأنا لا نمنعه من الإكثار من الذكر، بل النزاع في خصوص هذا بهذه الكيفية. انتهى.
ولم نر من الشراح من فرق بين السفرين، والمعنى لا يساعد عليه؛ فكلا الحالين هو رجوع من سفر فيتذكر العبد الإنابة إلى الله؛ فيقول: آيبون تائبون عابدون...؛ قال السعدي في بهجة قلوب الأبرار -بعد أن بين المعاني العظيمة في هذا الدعاء-: وكذلك يقول هذا في رجوعه، وعوده من سفره. ويزيد: "آيبون تائبون عابدون، لربنا حامدون" أي: نسألك اللهم أن تجعلنا في إيابنا ورجوعنا ملازمين للتوبة لك، وعبادتك، وحمدك، وأن تختم سفرنا بطاعتك، كما ابتدأته بالتوفيق لها. ولهذا قال تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا} [الإسراء:80] . ومدخل الصدق ومخرجه: أن تكون أسفار العبد ومداخله ومخارجه كلها تحتوي على الصدق والحق، والاشتغال بما يحبه الله، مقرونة بالتوكل على الله، ومصحوبة بمعونته. وفيه اعتراف بنعمته آخرًا، كما اعترف بها أولاً، في قوله: "لربنا حامدون". فكما أن على العبد أن يحمد الله على التوفيق لفعل العبادة والشروع في الحاجة فعليه أن يحمد الله على تكميلها وتمامها، والفراغ منها؛ فإن الفضل فضله، والخير خيره، والأسباب أسبابه، والله ذو الفضل العظيم. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني