الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أريد أن أسال عن زكاة المهر المؤخر، أنا لم آخذه بيدي، وهو باق عند زوجي، ومدته في العقد 5 سنوات، ومضت السنوات الخمس، فلو أعطاني جزءا منه عندما يتيسر ذلك، كيف أزكي؟ وهل يلحقه إثم إذا كان عنده المبلغ ولم أزك عنه أنا؟
سؤال آخر: بعت ذهبًا لي لحاجة بناء منزل، وسجل زوجي المبلغ، ومضت سنتان أو أكثر، وهذا العام أخذت جزءا منه لشراء ذهب، فكيف أزكي عنه قبل وبعد؟ علمًا بأن باقي المبلغ عنده.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فمؤخر الصداق دَين للمرأة على زوجها، وزكاته كزكاة سائر الديون؛ فإن كان مقدار الدَّين يبلغ النصاب بنفسه أو بما انضم إليه من نقود أخرى عند الزوجة أو ذهب أو فضة، وكان الزوج قادرًا على سداده باذلًا، فإنها تزكيه عن كل سنة بقي الدَّين فيها عنده، ولكن تزكيه عند قبضه، وقيل: تزكيه ولو لم تقبضه؛ قال ابن قدامة في المغني فيمن دَينه على مليء: إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَقْبِضَهُ، فَيُؤَدِّي لِمَا مَضَى، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ عُثْمَانُ، وَابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، وَجَابِرٌ، وَطَاوُسٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَسَنُ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: عَلَيْهِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ، فَلَزِمَهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ، كَالْوَدِيعَةِ. اهـ. والأحوط: أن تزكيه ولو لم تقبضه؛ فتخرج منه ربع العشر (أي: 2.5 %).

وإن كان الزوج عاجزًا عن سداده أو مماطلًا، فإنها تزكيه عند قبضه. لكن هل تزكيه لسنة واحدة أو لجميع السنين الماضية؟ في ذلك قولان لأهل العلم، وهذا الأخير هو الأحوط والأبرأ للذمة، وعلى القول بأنه تزكيه لكل السنين؛ فإنه لا فرق بين زكاته قبل حلول الأجل أو بعده؛ قال ابن قدامة في المغني: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ ... اهـ. وانظري الفتوى رقم: 173561 عن مذاهب أهل العلم في زكاة مؤخر الصداق.

وأما هل يلحقه إثم إذا عنده المبلغ ولم تزكيه أنت؟ ففي حالة ما إذا حل الأجل وهو باذل، فلا إثم عليه، لكونك قادرة على أخذ مالك، وإثم تأخير الزكاة في هذه الحالة إنما يلحقك أنت. وإذا كان مماطلًا، فإنه يأثم لأجل المماطلة، لقول النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ ... رواه مالك، والشيخان.
وثمن الذهب الذي بعته إذا كان بالغًا النصاب بنفسه أو بما انضم إليه من نقود أخرى أو ذهب آخر، فإنك تطالبين بزكاته كل سنة إذا مر عليه الحول، وكونك تُعِدِّينَهُ لبناء منزل فهذا لا يُسْقِطُ وجوب الزكاة فيه إذا توافرت فيه شروطها، وكون المبلغ عنده أيضًا لا يسقط وجوب الزكاة فيه.
وإذا أنفقت منه شيئًا، وبقي منه ما لا يقل عن النصاب بنفسه أو بضمه إلى ما عندك من نقود أو ذهب أو فضة، فإنك تطالبين بزكاته أيضًا، وإن كان الباقي أقل من نصاب فلا زكاة فيه. وانظري الفتوى رقم: 260161 في وجوب الزكاة في جميع المال المدخر البالغ النصاب كل عام، والفتوى رقم: 221260 عن حكم زكاة المال المدخر لبناء بيت.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني