الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء فيمن جامع زوجته نهار رمضان غلبة

السؤال

ما حكم صيام من جامع زوجته وهو نائم (أتخيل نفسي في حلم دون وعي كامل) وذلك بعد صلاة الفجر في شهر رمضان المبارك, راجيا إعلامكم بأن لدي هذه العادة في باقي أيام السنة ولا أعرف سبب ذلك؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فالأصل وجوب القضاء والكفارة على من جامع زوجته في رمضان، ولكن إن فعل ذلك بأمر مغلوب عليه أو نسيان فقد اختلف الفقهاء هل يفسد صومه أم لا؟ فمن أهل العلم من يرى صحة صيامه، ومنهم من يرى بطلان صيامه؛ لحديث الأعرابي الذي جامع زوجته وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة من غير أن يسأله هل فعل ذلك ناسيا أم ذاكرا؟

قال ابن قدامة في المغني: الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ جَامَعَ نَاسِيًا، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ كَالْعَامِدِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَابْنِ الْمَاجِشُونِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَنْ الْجَوَابِ، وَقَالَ: أَجْبُنُ أَنْ أَقُولَ فِيهِ شَيْئًا، وَأَنْ أَقُولَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، قَالَ: سَمِعْته غَيْرَ مَرَّةٍ لَا يَنْفُذُ لَهُ فِيهِ قَوْلٌ.
وَنَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ: كُلُّ أَمْرٍ غُلِبَ عَلَيْهِ الصَّائِمُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلَا غَيْرُهُ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ.
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ; لِأَنَّهُ مَعْنًى حَرَّمَهُ الصَّوْمُ، فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ يُفْسِدْهُ كَالْأَكْلِ، وَكَانَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، يُوجِبُونَ الْقَضَاءَ دُونَ الْكَفَّارَةِ; لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِرَفْعِ الْإِثْمِ، وَهُوَ مَحْطُوطٌ عَنْ النَّاسِي، وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الَّذِي قَالَ: وَقَعْت عَلَى امْرَأَتِي بِالْكَفَّارَةِ، وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ الْعَمْدِ، وَلَوْ افْتَرَقَ الْحَالُ لَسَأَلَ وَاسْتَفْصَلَ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ التَّعْلِيلُ بِمَا تَنَاوَلَهُ لَفْظُ السَّائِلِ وَهُوَ الْوُقُوعُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الصَّوْمِ، وَلِأَنَّ السُّؤَالَ كَالْمُعَادِ فِي الْجَوَابِ، فَكَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ فِي رَمَضَانَ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً}، فَإِنْ قِيلَ: فَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعَمْدِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: هَلَكْت. وَرُوِيَ: احْتَرَقْت، قُلْنَا: يَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ هَلَكَتِهِ لِمَا يَعْتَقِدُهُ فِي الْجِمَاعِ مَعَ النِّسْيَانِ مِنْ إفْسَادِ الصَّوْمِ، وَخَوْفِهِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ تُحَرِّمُ الْوَطْءَ، فَاسْتَوَى فِيهَا عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ، كَالْحَجِّ، وَلِأَنَّ فْسَادَ الصَّوْمِ وَوُجُوبَ الْكَفَّارَةِ حُكْمَانِ يَتَعَلَّقَانِ بِالْجِمَاعِ، لَا تُسْقِطُهُمَا الشُّبْهَةُ، فَاسْتَوَى فِيهِمَا الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ، كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ. اهـــ
وعلى هذا؛ فإن تُصُوِّرَ أن ما سألت عنه أمر واقع ولا حيلة لفاعله فيه فإن العلماء مختلفون في صحة الصيام، والأحوط القضاء ولا يجب في المفتى به عندنا.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني