الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجود ذات قديمة واجبة بنفسها مع الله ممتنع

السؤال

أرجو إجابتي سريعًا، تابعت فتواكم رقم: 297787، فجزاكم الله خيرًا، لكني أرى أن من الممكن أن يحل الإشكال كالآتي: إن شيخ الإسلام قصد بقوله (كما لا محذور في تعدد القديم إذا أريد به ما لا أول لوجوده وسواء كان ذاتًا أو صفة لذات القديم) قصد أن يقول: إنه لا محذور في تعدد القديم إذا أريد به ما لا أول لوجوده (وسواء كان ذاتًا او صفة لذات القديم) أي أن القديم بمعنى لا أول لوجوده يدخل فيه الذات وصفة الذات القديمة، فيقرأ النص كالآتي: كما لا محذور في تعدد القديم إذا أريد به ما لا أول لوجوده، وهذا المعنى من معاني القديم، وهو ما لا أول لوجوده يقصد به سواء الذات أو صفة الذات القديمة، وبهذا يحدث التعدد ذات وصفات قديمة، وليس المقصود أن التعدد لا محذور فيه، سواء كان ذاتًا لأن تعدد الذوات القديمة ممتنع. فهل هذا الفهم للنص صحيح، ويحتمله النص، وبه يحل الإشكال؟ علمًا أني راجعت أحد دكاترة العقيدة وأقر فهمي، لكني أردت التأكد منكم؛ لأن فتواكم تأخذ مراحل من الدقة.
وشيء آخر أحببت أن أنوه عنه، وهو: قول السائل في السؤال: إنه سواء كان وجود واجبين ممتنع أو ممكن عقلًا فلن يزيد الأمر شيئًا؛ لأن ليس هناك ذات واجبة إلا ذاته سبحانه. أنا أرى هذا صحيحًا، فهل أنا مخطئ مع اعتقادي أن وجود واجبين ممتنع، ولكن أتكلم على سبيل الفرض؟ نعم هذا فرض ممتنع، ولكننا إن قلنا فرضًا إن وجود واجبين ممكن عقلًا، فسيبقى الله وحده هو الواجب؛ لأن ليس هناك ذات تجب وجودها غير ذاته. فما رأيكم في هذا الكلام على سبيل فرض الممتنع؟
أود منكم الرد على شقَّي سؤالي الأول بخصوص نص ابن تيمية -رحمه الله- والآخر في كلام الأخ السائل.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالفهم الذي ذكره السائل لا يستقيم مع كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا يتضح بتأمل عبارته، والموازنة بين المشبَّه والمشبَّه به، حيث يقول رحمه الله: الواجب بذاته يراد به الذات الواجبة بنفسها المبدعة لكل ما سواها، وهذا واحد. ويراد به: الموجود بنفسه الذي لا يقبل العدم. وعلى هذا؛ فالذات واجبة، والصفات واجبة، ولا محذور في تعداد الواجب بهذا التفسير، كما لا محذور في تعدد القديم إذا أريد به ما لا أول لوجوده. وسواء كان ذاتًا أو صفة لذات القديم، بخلاف ما إذا أريد بالقديم الخالقة لكل شيء، فهذا واحد لا إله إلا هو. اهـ.
فقوله: "لا محذور في تعداد الواجب بهذا التفسير، كما لا محذور في تعدد القديم إذا أريد به ما لا أول لوجوده". فيه تشبيه له طرفان:

الطرف الأول: تعدد الواجب بمعنى الموجود بنفسه الذي لا يقبل العدم، وهذا يدخل فيه الذات والصفات.

والطرف الثاني: تعدد القديم إذا أريد به ما لا أول لوجوده. وهذا أيضًا يدخل فيه الذات والصفات، ولكن باعتبار الأنواع لا الأعيان، وهو ما يعرف بمسألة تسلسل الحوادث، وقد أحلنا فيها على الفتوى رقم: 190011.

ولذلك قال شيخ الإسلام: "سواء كان ذاتًا أو صفة لذات القديم، بخلاف ما إذا أريد بالقديم الخالقة لكل شيء، فهذا واحد لا إله إلا هو".
فلا يصح حمل عبارة: "سواء كان ذاتًا أو صفة لذات القديم" على تعدد صفات الذات القديمة، بل هي على ظاهرها من تعدد القديم بمعنى ما لا أول لوجوده باعتبار نوعه، وإن كان ذاتًا. ويتضح ذلك بتقرير أننا إذا قلنا: الواجب هو ما يقوم بنفسه. فإن الصفات لا تكون واجبة بهذا الاعتبار، وإن كانت قديمة، كما قال شيخ الإسلام: وقد يراد بالواجب الموجود بنفسه القائم بنفسه، وعلى هذا؛ فالذات واجبة دون الصفات. اهـ.

والخلاصة: أن الممتنع هو أن توجد ذات قديمة واجبة بنفسها مع الله تعالى، فالقديم بمعنى القائم بنفسه المبدع لغيره، يمتنع تعدده، وهو ذات الله تعالى المتصفة بصفات الكمال والجلال، كما سبق أن ذكرناه في الفتوى المشار إليها (رقم: 297787)، ونقلنا فيها هذا المعنى من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال: يقال: ما تعني بواجب الوجود؟ أتعني به ما لا فاعل له، أو تعني به القائم بنفسه الذي لا فاعل له؟ فإن عنيت الأول؛ لم يمتنع أن يكون كل من الصفات والذات واجب الوجود بهذا التفسير، ولم يدل على امتناع تعدد الواجب بهذا التفسير دليل، كما لم يدل على امتناع تعدد القديم بهذا التفسير دليل. اهـ.
وفي هذا تصريح بالمعنى المشار إليه، وهو قوله: لم يدل على امتناع تعدد الواجب بهذا التفسير دليل، كما لم يدل على امتناع تعدد القديم بهذا التفسير دليل. اهـ. فلا دليل على امتناع تعدد القديم بمعنى ما لا أول لوجوده.
وقد ذكرنا في الفتوى المذكورة ما دعا شيخ الإسلام لمثل هذا التفصيل، وهو الرد على المتكلمين واستدلالهم بنفي التركيب وعلة الافتقار أو الحدوث والإمكان -على حدوث العالم، ثم اتخاذ ذلك ذريعة لنفي صفات الله تعالى بزعم أن إثباتها يستلزم التركيب!
وأما الشق الثاني من السؤال: فجوابه أن افتراض واجبين في الوجود لا يكون إلا ممن لا يعرف معنى واجب الوجود!! فهذا الافتراض يتعارض بالأصالة مع معنى واجب الوجود، فإنه هو "الذي يكون وجوده من ذاته ولا يحتاج إلى شيء أصلًا". وهذا لا يمكن أن يتصف به إلا الله سبحانه الحي القيوم الواحد الصمد. ولذلك نبهنا في الفتوى السابقة على أن تعدد الواجب بالمعنى الثاني ممتنع عقلًا قبل أن يمتنع شرعًا، فلا يفترض وقوعه إلا لبيان بطلانه ببطلان لازمه وفساده، وهو ما يعرف عند المنطقيين بدليل التمانع.
ونختم هنا بما ختمنا به الفتوى السابقة، وهو التنبيه على أن مثل هذه المسائل من المشكلات التي تحار فيها العقول، فينبغي أن لا ننشغل بها أو ندقق فيها في أول طلبنا للعلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني