الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترهيب من الزنا في المدنة المنورة

السؤال

هل الزنا في المدينة، حدث، يستوجب اللعن؟
وهل لي من توبة؟
أرجو الإجابة بالتفصيل.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالزنا ذنب عظيم، وموبقة جسيمة، موجبة لسخط الله تعالى، ومعرضة فاعلها لعقوبته وخزيه العاجل والآجل، وانظر لبيان قبح تلك الجريمة، الفتوى رقم: 156719.

وكونه في المدينة، أعظم جرما، وأقبح إثما، وقد ثبت في الصحيح من حديث علي -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفا، ولا عدلا.

والزنا من جملة تلك الأحداث التي توعد من أتاها في المدينة، كما يدل له تفسير العلماء لقوله: من أحدث فيها حدثا.

قال عياض في شرح مسلم: وقوله: "من أحدث حدثاً، أو آوى محدثاً": أي أتى إثماً، أو آوى من أتاه وحماه، وضمه إليه، وهو نحو قوله تعالى في مكة: وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عذاب أليم. اهـ.

وقال ابن بطال في شرح البخاري: وقوله عليه السلام: (من أحدث فيها حدثًا، أو آوى محدثًا) قال أبو عبيد: الحدث: كُلُّ حَدٍّ لله، يجب على صاحبه أن يقام عليه.

وقال أيضا: وإنما خصت المدينة بالذكر في هذا الحديث؛ لأن اللعنة على من أحدث فيها حدثًا أشد، والوعيد له آكد؛ لانتهاكه ما حذر عنه، وإقدامه على مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان يلزمه من تعظيم شأن المدينة، التي شرفها الله بأنها منزل وحيه، وموطن نبيه صلى الله عليه وسلم، ومنها انتشر الدين في أقطار الأرض، فكان لها بذلك فضل مزيّة على سائر البلاد. انتهى.

وليس معنى هذا أن باب التوبة قد أغلق في وجه من ارتكب هذا الفعل، بل باب التوبة مفتوح أمام كل أحد مهما عظم ذنبه، وكبر جرمه، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}.

والنصوص المرغبة في التوبة، الحاثة عليها، المبينة لكونها مقبولة من كل من جاء بها على وجهها، في وقتها الذي تقبل فيه، كثيرة جدا.

فعلى من ارتكب هذا الذنب العظيم، أن يخلص توبته لله تعالى، وأن يندم على ما اقترفه من الجناية، وليبشر بتوبة الله عليه إذا هو صدق في توبته، وأتى بها على وجهها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني