الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إمكانية علاج الشذوذ الجنسي لا يتعارض مع مشروعية العقوبة المقررة له

السؤال

لماذا يقتل من قام بعمل قوم لوط، بينما يمكن معالجته نفسيا ليكون إنسانا مستقيما؟ لا شك أن اللواط بالأصل ينشأ بسبب التربية والنشأة الخاطئة (مرض نفسي) أي ليس بخلل هرموني، فلماذا لا تعالج المشكلة من جذورها وليس القتل كما في الاسلام؟ في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة لم يكونوا يعلمون أن اللواط هو مرض نفساني، ويمكن معالجته كما في أيامنا هذه، فلا شك أن أنسب علاج كان قتلهم، ولكن في أيامنا هذه يمكن معالجتهم نفسيا وإعطاؤهم هرمونات ذكورة، فهل يفضل العلاج على القتل شرعا أم العكس؟ هل اختلفت المعايير الآن أم ماذا؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبغض النظر عما ذكره السائل فيما يتعلق بإمكانية علاج من يعمل عمل قوم لوط، نفسيا أو هرمونيا في عصرنا هذا دون العصور المتقدمة! فإنه ينبغي التنبه إلى أن العقوبة أو حد اللواط لا يقام على كل من يفعل ذلك، وإنما يقام على من يثبت فعله هذا لدى الحاكم، وثبوت جريمة اللواط عند جمهور أهل العلم كثبوت جريمة الزنا، فلا يثبت إلا بإقرار لا يرجع عنه صاحبه، أو بشهادة أربعة عدول، يصرحون بأنهم شاهدوا دخول فرج أحد الرجلين في دبر الآخر، كدخول المرود في المكحلة، ولا يشك أحد منهم في ذلك، ولا يرجع عما شهد به، فإن لم يكن أحد الشهود عدلا، أو لم تكن الرؤية التي أخبر عنها دقيقة، أو رجع عن شهادته، فإنهم يحدون حد القذف، كما سبق لنا بيانه في الفتوى رقم: 267475، ومعنى هذا أن حصول هذه العقوبة تكون في حدود ضيقة للغاية.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا النوع من الانحراف الخلقي والسلوكي ليس بالضرورة أن يستجيب صاحبه للعلاج، فقد تتمكن هذه الشهوة الشاذة من صاحبها مع ضعف إيمانه، فلا يستطيع عنها فكاكا، والسؤال عندئذ: متى يستحق العقوبة؟! وما هو الحد الذي يمكن معه القطع بأن علاجه لا يجدي؟! ولا يخفى أن الجواب على ذلك متعسر، والذي يمكن ضبطه في الواقع هو ثبوت الفعل عليه بالبينة الشرعية عند الحاكم، فيستحق عندئذ العقوبة، وأما من ستر على نفسه واجتهد في معالجتها، فله شأن آخر، واعتبر في ذلك بحال الزاني، فإنه هو الآخر يمكن أن يعالج نفسيا وسلوكيا، ولكن إمكانية ذلك لا ترفع عنه العقوبة إن استحقها بثبوت البينة الشرعية عند الحاكم.

ثم إن الأمر لا يرجع إلى معرفة الصحابة بكونه مرضا أو عدم معرفتهم، بل هذا حكم شرعي ثابت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وإذن فهي عقوبة من الله العليم الخبير، الذي يعلم من خلق، ويعلم ما يصلحهم، فلا مجال للاعتراض أو الاقتراح بشأن هذه العقوبة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني