الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعارض بين تحصيل العلم الشرعي والعلم الدنيوي

السؤال

نعلم أن الأب تجب عليه نفقة الابن، وأنا طالب جامعي، لكني -كما أرسلت لكم في السابق- لا أدرس جيدًا، ومقصّر في دراستي، ونظام الجامعة لدينا أن الشخص إذا أتى بمعدل جيد، وعالٍ، يدفع مالًا قليلًا كأقساط للجامعة، لكنني مقصّر في دراستي، ولا آتي بالمعدل الجيد، وأدفع المال الكثير، فأهلي تعبوا من أقساطي لدفع المال، وقالوا: إنهم لا يأكلون، ويشربون بشكل جيد، وأبي -الحمد لله- يستطيع النفقة على البيت من مأكل، ومشرب، وملبس، لكني لو حصلت على معدل جيد فلن يعاني أبي ضائقة مالية مثل الآن، فعارضهم أخي، وقال لهم: إن أخي هذا لا يجتهد في الدراسة، وقال أخي: إنني آكل حق العائلة كاملة؛ لأنني لو اجتهدت في الدراسة؛ فسأوفر المال لعائلتي، وسيستطيعون أن ينفقوا على البيت بشكل أفضل، وقال أخي: لا يجوز أن تدفعوا له أكثر من هذا، وإنني دمرت العائلة، فإذا لم يدرّسني بسبب تقصيري فهل يأثم أم إن له الحق في هذا لمصلحة العائلة كاملة؟ وإذا لم يكن التقصير مني، ولكن قدّر لي رب العالمين هذا القدر، فهل يأثم أبي إذا لم يدرّسني؛ لأني في بعض الأحيان أدرس، وأجتهد في الدراسة لكن دون نتيجة، ولكن أهلي لا يقدّرون ظروفي، ويقولون: إنك لا تدرس، وفي بعض المرات أدرس لكني أفشل، وأهلي يضعون الحق علي؟
وهناك حالة أخرى: أنا أحفظ القرآن الكريم، وأصلي بعض النوافل، وأطيع ربي في طاعات، ونوافل معينة، فيقولون لي: يجب أن تترك هذا كله؛ لأنه يضر بدراستك، ودراستك واجبة، وطاعة الله في النوافل، وحفظ القرآن سنة، والواجب يقدم على السنة، وأنت تأثم على ما تفعله من النوافل؛ لأنك قدمته على مصلحة أهلك، ودراستك، وأنا أقول لهم: لا أستطيع أن أترك النوافل؛ فإنني أتقرب إلى الله بها، وأحبها، ولا يرتاح قلبي إذا تركتها، فهل آثم؟ أريد جوابًا تفصيليًّا، أرجوكم؛ فقد تعبت، وبشكل سريع -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإننا نشكرك على حرصك على حفظ القرآن، والسنة، والاجتهاد في أمر النوافل، فجزاك الله خيرًا، ورجاؤنا أن يكون في هذا حافزًا لك على المزيد من التحصيل العلمي في دراستك الجامعية؛ فإن هذا من بركة هذه العلوم الشرعية، وما تكسب صاحبها من الاستقرار النفسي، وطمأنينة القلب، ونور البصيرة، فاجتهد لتبر والديك؛ فيبارك الله فيك بسبب ذلك، هذا بالإضافة إلى أن تنظيم الوقت، مهم لتحقيق الأهداف المبتغاة، واستحضر الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ.

ومن المهم جدًّا أن تستغل أوقات الإجازة للعلوم الشرعية، والمقصود من هذا بيان أن الأمر هيّن، وأن بالإمكان التوفيق لمن كان صاحب عزيمة، وهمة عالية.

ومن العجيب إطلاق بعض إخوتك القول: إن هذه الدراسة الجامعية واجبة، تقدّم على حفظ القرآن، وأداء نوافل الطاعات، فتعلم تلك العلوم -إن كانت مما يشرع تعلمه- من فروض الكفايات، بمعنى أنها إذا قام بها من يكفي، سقط الإثم عن الباقين، فمن أين لهم أنها متعينة في حقك؟ مع العلم أن تعلم العلوم الشرعية من فروض الكفاية أيضًا، ومن هذه العلوم الشرعية ما هو متعين، وتراجع الفتوى رقم: 218203، والفتوى رقم: 277666. وكما أسلفنا لا نرى تعارضًا أصلًا بين تحصيل هذين العلمين، فالتوفيق بينهما ممكن -إن شاء الله-.

ولا يلزم أباك دفع مصاريف دراستك في الجامعة؛ فإن هذه المصاريف لا تدخل في النفقة الواجبة، كما هو مبين في الفتوى رقم: 59707

فعلى كل تقدير؛ لا يأثم أبوك إن لم ينفق على دراستك.

وأداء النوافل مما يزداد به المسلم قربًا من ربه، وينال به محبته، كما في الحديث القدسي: وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه.

فيؤجر المسلم بفعلها، ولا يأثم بتركها، ولا ينبغي تركها، واحرص على أن تأخذ نصيبًا من النوافل، على وجه لا يشغلك عن دراستك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني