الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التواعد في بيع الأصناف الربوية ببعضها

السؤال

إذا كنا في مجلس معين، واتفقت أنا وشخص أن نبادل ذهبًا بذهب، أو قمحًا بقمح، أو ذهبًا بفضة، ولم يكن معنا هذه الأشياء، وقلنا: بإذن الله في الغد سآتي بالذهب -مثلًا- وأنت ائت بالفضة أو الذهب -مثلًا-، ويعطي كل واحد منّا الآخر حاجته، فهل هذا ربا؟ لأني قرأت فتوى لابن عثيمين أنه لا يجوز التفرق قبل التقابض، ونحن هنا اتفقنا فجأة، وبعد يوم تقابضنا؛ لأنه لم يكن معنا الأشياء التي اتفقنا عليها، فهل هذا عقد محرم؟ وإذا كان محرمًا، فما الذي علينا فعله؟ وهل لا يجوز الاتفاق إلا إذا كانت معنا هذه الأشياء؟
وإذا بعت السيارة بالذهب، واتفقنا، وأعطيته السيارة ولم يعطني الذهب، فهل هذا ربا؛ لأنه في آخر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا اختلفت هذا الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد"؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان الاتفاق المذكور على وجه الإلزام، فهذا لا يجوز؛ لأن مبادلة تلك الأصناف الربوية ببعضها يشترط فيه الحلول، والتقابض، والاتفاق الملزم بمثابة المصارفة، مع تأجيل التقابض، وانظر الفتويين: 54104، 65554، وما أحيل عليه فيها.

أما إن كان الاتفاق على سبيل المواعدة غير الملزمة، وإنما يتم إبرام العقد عند المبادلة: فهذا محل خلاف بين أهل العلم؛ فمنهم من قال بالجواز، ومنهم من قال بالمنع، أو الكراهة، قال الشافعي في الأم: وإذا تواعد الرجلان الصرف فلا بأس أن يشتري الرجلان الفضة ثم يقرانها عند أحدهما حتى يتبايعاها ويصنعا بها ما شاءا.

وفي المحلى لابن حزم: والتواعد في بيع الذهب بالذهب أو بالفضة, وفي بيع الفضة بالفضة, وفي سائر الأصناف الأربعة بعضها ببعض؛ جائز. تبايعا بعد ذلك, أو لم يتبايعا; لأن التواعد ليس بيعًا.

وفي مواهب الجليل: وحرم صرف بمواعدة, وهذا القول شهره ابن الحاجب، وابن عبد السلام, وقال ابن رشد: هو ظاهر المدونة، وشهر المازري الكراهة, ونسبه اللخمي لمالك، وابن القاسم، وصدر به في المقدمات, ونسبه لابن القاسم, ونصه: وأما المواعدة فتكره، فإن وقع ذلك وتم الصرف لم يفسخ الصرف عند ابن القاسم, وقال أصبغ: يفسخ، ولعل قول ابن القاسم: إذا لم يتراوضا على السوم، وإنما قال له: اذهب معي أصرف منك, وقول أصبغ: "إذا راوضه على السوم، فقال له: اذهب معي أصرف منك ذهبك بكذا وكذا". اهـ. وقال ابن بشير: الكراهة محمولة على المراوضة, وظاهرها المنع، ولابن نافع الجواز، ونقل ابن عرفة عن اللخمي أنه قال: والثلاثة جارية في بيع الطعام قبل قبضه, وقال سند: الأحسن أن يمنع منه بدءًا، فإن وقع ذلك ولم يتصارفا كره أن يتصارفا، وإن تصارفا وفات العقد فلا يرد. اهـ.

وفي ندوة البركة السادسة الفتوى رقم (23): يؤكد على ما جاء في قرارات المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بالكويت في مارس 1983 م من أن المواعدة في بيع العملات مع تأجيل الثمن جائزة إذا كانت المواعدة غير ملزمة (هذا رأي الأغلبية). أما المواعدة إذا كانت ملزمة فهذه المعاملة غير جائزة شرعًا. اهـ من الفتاوى الاقتصادية.

والأَولى تجنب تلك المواعدة خروجًا من خلاف الفقهاء، وما وقع منها بالفعل فنرجو ألا يكون فيه حرج، طالما أنها ليست ملزمة.

وأما بيع السيارة بالذهب: فلا يشترط فيه التقابض؛ لأن السيارة ليست من الأصناف الربوية أصلًا، والحديث إنما ورد في مبادلة الأصناف الربوية بعضها ببعض، وانظر الفتوى رقم: 314035.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني