الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مصير مرتكب المعاصي والكبائر

السؤال

بارك الله فيكم وجعل هذا الموقع المفيد في ميزان حسناتكم: كيف يكون الإنسان مسلما وهو يعمل أفعالا وأقوالا وأعمالا منكرة مثلا سماع الأغاني وقطع الرحم أو عقوق الوالدين أو نظر الإباحيات أو أنواع الاعتداء مثل التحرش أو العنف وغيره، ولم يصل ولم يذكر الله ولم يقرأ القرآن والعين والسحر والحسد وغيرها، هل يكون كافرا ارتكب ذنوبا ومعصية وإثما وفتنا؟ هل سبحانه وتعالى يمتعه ويرزقه ويجعل له حظا في الدنيا وفي الآخرة يحاسب ويعاقب؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالذنوب والمعاصي لا تخرج صاحبها عن الملة، ولو كانت كبائر إلا أن يستحلها، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته: وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين بعد أن لقوا الله عارفين مؤمنين، وهم في مشيئته وحكمه: إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله كما ذكر عز وجل في كتابه: ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ـ وإن شاء عذبهم في النار بعدله ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته ثم يبعثهم إلى جنته، وذلك بأن الله تعالى تولى أهل معرفته ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته الذين خابوا من هدايته ولم ينالوا من ولايته. اهـ

وعليه؛ فإن جميع الذنوب التي ذكرت لا تخرج صاحبها من الملة باستثناء السحر وترك الصلاة ففيهما خلاف سبق بيانه في الفتوى رقم: 15453، والفتوى رقم: 130853.

والأدلة على أن المعاصي والكبائر لا تخرج من الملة ولا يخلد صاحبها في النار أكثر من أن تحصر في هذا المقام ومنها أن الله عز وجل أخبر أنه يغفر كل الذنوب إلا الشرك، فمن لم يتب من الشرك حتى مات لا يغفر الله له، وأما غير الشرك فإنه يغفره عز وجل دون توبة إن شاء، قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا {النساء:116}، وما دام الله قد يغفر للعاصي غير المشرك ويدخله الجنة فمعناه أنه غير كافر لأن الكافر لا يدخل الجنة قطعا، بل هو خالد مخلد في النار؛ كما تضافرت بذلك النصوص.

ومن الأدلة أيضا على عدم كفر مرتكب المعاصي والكبائر وعدم خلوده في النار قول النبي صلى الله عليه وسلم: يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير. متفق عليه.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، قال أبو ذر: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قال: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، ثلاثا ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر. متفق عليه.

يقول النووي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم وإن زنى وإن سرق فهو حجة لمذهب أهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار، وأنهم إن دخلوها أخرجوا منها وختم لهم بالخلود في الجنة. اهـ

ومما تقدم يعلم أن العاصي الموحد إذا لم يتب فلا يمكن القطع بعقابه في الآخرة فقد يحاسبه الله ثم يعفو عنه ويدخله الجنة بفضله، وقد يعاقبه بعدله بالدخول في النار مدة من الزمن ثم يخرجه منها إلى الجنة؛ لأن النار لا يخلد فيها إلا الكفار .

أجارنا الله وإياكم من عذابه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني