الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب أهل العلم في سلام الخطيب على الناس

السؤال

متى يسن للخطيب يوم الجمعة أن يقول للمصلين السلام عليكم؟ وهل يسن قولها عند البدء في صعود المنبر وهو على الأرض؟ أم يسن قولها بعد الاعتدال على المنبر ويلقي بوجهه نحوهم ثم يسلم؟ وإذا كانت المسألة خلافية بين العلماء فنأمل تكرمكم ببيان ذلك؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف أهل العلم في مشروعية سلام الإمام على المأمومين يوم الجمعة بعد صعوده المنبر واستقباله لهم، قال ابن قدامة في المغني: يستحب لِلْإِمَامِ إذَا خَرَجَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَاسْتَقْبَلَ الْحَاضِرِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَجَلَسَ إلَى أَنْ يَفْرَغَ الْمُؤَذِّنُونَ مِنْ أَذَانِهِمْ، كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إذَا عَلَا عَلَى الْمِنْبَرِ سَلَّمَ، وَفَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ مَالِكٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُسَنُّ السَّلَامُ عَقِيبَ الِاسْتِقْبَالِ، لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ حَالَ خُرُوجِهِ، وَلَنَا، مَا رَوَى جَابِرٌ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ ـ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلَّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ جَالِسًا، فَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ تَوَجَّهَ النَّاسَ ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ـ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ سُورَةً، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَفْعَلَانِهِ ـ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَمَتَى سَلَّمَ رَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ، لِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ آكَدُ مِنْ ابْتِدَائِهِ. انتهى.

وقال النووي رحمه الله: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسَنُّ لِلْإِمَامِ السَّلَامُ عَلَى النَّاسِ مَرَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ هُنَاكَ وَعَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ إذَا انتهى إليه، الثانية: إذا وصل أعلى الْمِنْبَرِ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِذَا سَلَّمَ لَزِمَ السَّامِعِينَ الرَّدُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالسَّلَامِ فِي بَاقِي الْمَوَاضِعِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ السَّلَامِ الثَّانِي مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ. انتهى.

فإذا علمت هذا تبين لك أنه لا خلاف في سنية أن يسلم الإمام على من يمر به من المأمومين، وأنه يسلم على من عند المنبر إذا وصل إليه، وإنما الخلاف في السلام ثانية إذا صعد المنبر، والصحيح أنه يسلم ثانية، لما روي من الآثار، ولأنه استدبر المأمومين حال صعوده المنبر، فشرع له أن يسلم عليهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني