الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ثواب من سعى في كفالة يتيم وغيره يدفع مبلغ الكفالة

السؤال

أنا شاب سعيت في كفالة يتيم، من حيث البحث في طرق الكفالة، وما إلى ذلك.
لكن من يدفع أموال الكفالة هي الوالدة، وأنا بالمتابعة، وما إلى ذلك.
هل يكون لي الثواب في عملي مثل ما قال رسولنا الكريم: أنا وكافل اليتيم كهاتين.
مع العلم أني طالب، ولا أستطيع تحمل التكاليف؟
وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يوفقك، وأن يزيدك حرصا على الخير، وإذا صدقت نيتك في كفالة اليتيم، وكانت لك إرادة جازمة بذلك، وبذلت ما بوسعك من السعي والدلالة، فيرجى أن يكتب لك أجر كفالة اليتيم تاما بفضل الله وكرمه، وذلك لأن قاعدة الشرع: أن صاحب النية الجازمة على فعل، إذا اقترن بإرادته فعل ما يقدر عليه منه، فإنه ينزل منزلة الفاعل التام في الثواب أو العقاب.

قال ابن تيمية: الإرادة الجازمة هي التي يجب وقوع الفعل معها إذا كانت القدرة حاصلة، فإنه متى وجدت الإرادة الجازمة مع القدرة التامة، وجب وجود الفعل؛ لكمال وجود المقتضي السالم عن المعارض المقاوم، ومتى وجدت الإرادة، والقدرة التامة، ولم يقع الفعل، لم تكن الإرادة جازمة. والإرادة الجازمة إذا فعل معها الإنسان ما يقدر عليه، كان في الشرع بمنزلة الفاعل التام: له ثواب الفاعل التام، وعقاب الفاعل التام الذي فعل جميع الفعل المراد، حتى يثاب ويعاقب على ما هو خارج عن محل قدرته مثل المشتركين، والمتعاونين على أفعال البر، ومنها ما يتولد عن فعل الإنسان كالداعي إلى هدى، أو إلى ضلالة، والسانِّ سنة حسنة، وسنة سيئة كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء. وثبت عنه في الصحيحين أنه قال: من سن سنة حسنة، كان له أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيء. فالداعي إلى الهدى، وإلى الضلالة هو طالب مريد كامل الطلب والإرادة لما دعا إليه؛ لكن قدرته بالدعاء والأمر، وقدرة الفاعل بالاتباع والقبول .اهـ. باختصار.

وقال أيضا: الأعمال الظاهرة قد يعطى الإنسان مثل أجر العامل إذا كان يؤمن بها، ويريدها جهده، ولكن بدنه عاجز، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر} وكما قال تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة} فاستثنى أولي الضرر. وفي حديث أبي كبشة الأنماري: {هما في الأجر سواء، وهما في الوزر سواء} رواه الترمذي، وصححه ولفظه: {إنما الدنيا لأربعة: رجل آتاه الله علما ومالا فهو يتقي في ذلك المال ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا، فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما، يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل. وعبد لم يرزقه الله مالا، ولا علما فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء}. اهـ باختصار.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني