الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توجيه ضم التاء في قراءة أبي جعفر في قوله تعالى: وإذ قلنا للملائكة

السؤال

أنكر بعض أهل اللغة على قراءة أبي جعفر المدني: وإذ قلنا للملائكة ـ بضم التاء، وأنه لا يوجد عنده إدغام مثلين صغير، وذلك لأنه يمد صلة ميم الجمع، فلماذا هذا الإنكار وقد ثبت تواتر الرواية؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه لا يلتفت لمن يقول بإنكار قراءة أبي جعفر ـ رحمه الله ـ فهو إمام من أئمة التابعين وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقراءته معدودة في القراءات المتواترة، وقد تكلم الجزري وأبو حيان في تفسيره على ضم التاء في الملائكة وبينا توجيهها وحجتها، قال الجزري في النشر في القراءات العشر: واختلفوا في: ضم تاء للملائكة اسجدوا حيث جاء وذلك في خمسة مواضع هذا أولها، والثاني في الأعراف، والثالث في سبحان، والرابع في الكهف، والخامس في طه، فقرأ أبو جعفر من رواية ابن جماز، ومن غير طريق هبة الله، وغيره عن عيسى بن وردان بضم التاء حالة الوصل اتباعا، وروى هبة الله، وغيره عن عيسى عنه إشمام كسرتها الضم، والوجهان صحيحان عن ابن وردان، نص عليهما غير واحد، ووجه الإشمام أنه أشار إلى الضم تنبيها على أن الهمزة المحذوفة التي هي همزة الوصل مضمومة حالة الابتداء، ووجه الضم أنهم استثقلوا الانتقال من الكسرة إلى الضمة إجراء للكسرة اللازمة مجرى العارضة، وذلك لغة أزد شنوءة، عللها أبو البقاء أنه نوى الوقف على التاء فسكنها ثم حركها بالضم اتباعا لضمة الجيم، وهذا من إجراء الوصل مجرى الوقف، ومثله ما حكي عن امرأة رأت نساء معهن رجل فقالت: أفي سوءة أتينه، بفتح التاء كأنها نوت الوقف على التاء، ثم ألقت عليها حركة الهمزة، وقيل: إن التاء تشبه ألف الوصل، لأن الهمزة تسقط في الدرج، لأنها ليست بأصل، وتاء الملائكة تسقط أيضا لأنها ليست بأصل، وقد ورد الملائك بغير تاء، فلما أشبهتها ضمت كما تضم همزة الوصل، ولا التفات إلى قول الزجاج، ولا إلى قول الزمخشري إنما تستهلك حركة الإعراب بحركة الاتباع إلا في لغة ضعيفة كقولهم الحمد لله: لأن أبا جعفر إمام كبير أخذ قراءته عن مثل ابن عباس، وغيره كما تقدم، وهو لم ينفرد بهذه القراءة، بل قد قرأ بها غيره من السلف ورويناها عن قتيبة عن الكسائي من طريق أبي خالد، وقرأ بها أيضا الأعمش، وقرأنا له بها من كتاب المبهج، وغيره، وإذا ثبت مثله في لغة العرب فكيف ينكر؟. اهـ.

وقال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع وسليمان بن مهران: بضم التاء، إتباعا لحركة الجيم ونقل أنها لغة أزد شنوءة، قال الزجاج: هذا غلط من أبي جعفر، وقال الفارسي: هذا خطأ، وقال ابن جني: لأن كسرة التاء كسرة إعراب، وإنما يجوز هذا الذي ذهب إليه أبو جعفر، إذا كان ما قبل الهمزة ساكنا صحيحا نحو: وقالت اخرج، وقال الزمخشري: لا يجوز لاستهلاك الحركة الإعرابية بحركة الإتباع إلا في لغة ضعيفة كقولهم: الحمد لله، انتهى كلامه، وإذا كان ذلك في لغة ضعيفة، وقد نقل أنها لغة أزد شنوءة، فلا ينبغي أن يخطأ القارئ بها ولا يغلط، والقارئ بها أبو جعفر، أحد القراء المشاهير الذين أخذوا القرآن عرضا عن عبد الله بن عباس وغيره من الصحابة، وهو شيخ نافع بن أبي نعيم، أحد القراء السبعة، وقد علل ضم التاء لشبهها بألف الوصل، ووجه الشبه أن الهمزة تسقط في الدرج لكونها ليست بأصل، والتاء في الملائكة تسقط أيضا لأنها ليست بأصل، ألا تراهم قالوا: الملائك؟ وقيل: ضمت لأن العرب تكره الضمة بعد الكسرة لثقلها. اهـ.

وأما الإدغام الصغير في المثلين: فهو كثير عنده، فهو يدغم التاء في قوله تعالى: فما ربحت تجارتهم ـ وكذا اللام في: بل لما، والدال في: وقد دخلوا ـ إلى غير ذلك.

وأما مده لميم الجمع: فلا يعني عدم وجود الإدغام الصغير عنده، فإنه إنما ترك الإدغام في مثل قوله تعالى: ولكم ما كسبتم ـ لوجود الفاصل بين المثلين وهو الواو المادة، ومن المعلوم أن صلة الميم قرأ بها غير أبي جعفر كابن كثير ونافع على تفصيل ذكره الجزري وغيره، وراجع النشر في القراءات العشر:1ـ 273.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني