الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب الفقهاء في الخيار في البيع للغبن

السؤال

إذا سمحتم أنا عندي استفسار في موضوع وهو باختصار:
لقد قمت بالاتفاق مع شخص على شراء غرض منه بالتقسيط، ولقد استغل هذا الشخص عدة عوامل للاحتيال علي في السعر مثل عدم معرفتي بالسعر، وأني جديد في البلد وحاجتي الماسة له.
الآن وبعد أن تأكدت بأنه تم الاحتيال علي، وأن السعر المتفق عليه أعلى بكثير من الثمن الفعلي، فهل من الممكن التفاوض مرة أخرى مع الشخص والاتفاق على خفض السعر ومواجهته بالأمر .
أفيدوني أعزكم الله، وإذا كان هناك حديث شريف أو آية من القرآن الكريم تؤيد هذا الأمر، أكون شاكرا لكم لإرفاقها في الرد .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان الاتفاق على البيع لا يزال في مرحلة المواعدة فهو غير ملزم، وللعلماء تفصيل فيه انظره في الفتوى رقم: 17057.

وأما إن كان قد تم عقد البيع، فإن الأصل أن البيع عقد لازم من الطرفين البائع والمشتري، لا يجوز لأحدهما فسخه إلا برضا الآخر. قال الزركشي -في تقسيم العقود باعتبار الجواز واللزوم-: الأول: لازم من الطرفين قطعا كالبيع. اهـ. قال السيوطي: العقود الواقعة بين اثنين على أقسام: الأول: لازم من الطرفين قطعا، كالبيع والصرف والسلم اهـ. وجاء في الموسوعة الفقهية: فالبيع والسلم والإجارة عقود لازمة، إذ إنها متى صحت لا يجوز فسخها بغير التقايل، ولو امتنع أحد العاقدين عن الوفاء بها أجبر. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 48130 .

وأما كون الثمن الذي باع البائع به أعلى من ثمن المثل بكثير فإنه بمجرده لا يعد احتيالا، وإنما قد اختلف العلماء هل يثبت خيار الغبن للمشتري إن كان جاهلا وغبن في الثمن غبنا خارجا عن العادة أم لا؟ جاء في المغني لابن قدامة: ويثبت الخيار في البيع للغبن في مواضع: أحدها: المسترسل إذا غبن غبنا يخرج عن العادة، فله الخيار بين الفسخ والإمضاء. وبهذا قال مالك، وقال ابن أبي موسى: وقد قيل: قد لزمه، وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي؛ لأن نقصان قيمة السلعة مع سلامتها لا يمنع لزوم العقد، كبيع غير المسترسل، وكالغبن اليسير. ولنا، أنه غبن حصل لجهله بالمبيع، فأثبت الخيار، كالغبن في تلقي الركبان، فأما غير المسترسل، فإنه دخل على بصيرة بالغبن، فهو كالعالم بالعيب، وكذا لو استعجل، فجهل ما لو تثبت لعلمه، لم يكن له خيار؛ لأنه انبنى على تقصيره وتفريطه. والمسترسل هو الجاهل بقيمة السلعة، ولا يحسن المبايعة. قال أحمد: المسترسل، الذي لا يحسن أن يماكس. وفي لفظ، الذي لا يماكس. فكأنه استرسل إلى البائع، فأخذ ما أعطاه من غير مماكسة، ولا معرفة بغبنه. فأما العالم بذلك، والذي لو توقف لعرف، إذا استعجل في الحال فغبن، فلا خيار لهما. ولا تحديد للغبن في المنصوص عن أحمد، وحدَّه أبو بكر في "التنبيه"، وابن أبي موسى في "الإرشاد" بالثلث. وهو قول مالك؛ لأن الثلث كثير؛ بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والثلث كثير» . وقيل: بالسدس، وقيل: ما لا يتغابن الناس به في العادة؛ لأن ما لا يرد الشرع بتحديده يرجع فيه إلى العرف. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 63265.

وعلى كل حال: فيمكن أن يُرغَّب البائع في فسخ البيع بتذكيره باستحباب الإقالة، كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أقال مسلما، أقال الله عثرته. أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني