الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا حرج في القول بأن شريعة الإسلام أفضل من الشرائع السابقة

السؤال

هل تشريع الله الذي أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أفضل من التشريعات السابقة، أم أن الصحيح أن نقول: إن كل شريعة أفضل في وقتها، ولا نعقد تلك المقارنة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فلا شك أن كل شريعة من شرائع الأنبياء السابقين، كانت مناسبةً لِمَنْ أُرْسِلَ إليهم.

قال الشيخ السعدي في تفسير قوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا {المائدة : 48}

قال رحمه الله: وهذه الشرائع التي تختلف باختلاف الأمم، هي التي تتغير بحسب تغير الأزمنة والأحوال، وكلها ترجع إلى العدل في وقت شرعتها، وأما الأصول الكبار التي هي مصلحة وحكمة في كل زمان، فإنها لا تختلف، فتشرع في جميع الشرائع. ... اهــ.
إلا أن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الشرائع، كما أن كتابَه أفضل الكتب، وأمتَه أفضل الأمم، ولا حرج في هذا التفضيل؛ فإنه واقع، ولا يعني تنقص الشرائع السابقة، وقد قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ .. {المائدة:48}.

قال الإمام ابن كثير في تفسيرها: فهو أمين، وشاهد، وحاكم على كل كتاب قبله، جعل الله هذا الكتاب العظيم، الذي أنزله آخر الكتب وخاتمها، أشملها وأعظمها، وأحكمها حيث جمع فيه محاسن ما قبله، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره; فلهذا جعله شاهدا وأمينا، وحاكما عليها كلها. انتهى.

ولم يزل أهل العلم ينصون في كتبهم، على أفضلية هذه الشريعة على ما سبقها من الشرائع.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فَكِتَابُهُ أَفْضَلُ الْكُتُبِ، وَشَرْعُهُ أَفْضَلُ الشَّرَائِعِ، وَمِنْهَاجُهُ أَفْضَلُ الْمَنَاهِجِ، وَأُمَّتُهُ خَيْرُ الْأُمَمِ. اهـ.
ومثله قول ابن القيم في زاد المعاد: فَاخْتَارَ أَفْضَلَ الْقِبَلِ لِأَفْضَلِ الْأُمَمِ، كَمَا اخْتَارَ لَهُمْ أَفْضَلَ الرُّسُلِ، وَأَفْضَلَ الْكُتُبِ، وَأَخْرَجَهُمْ فِي خَيْرِ الْقُرُونِ، وَخَصَّهُمْ بِأَفْضَلِ الشَّرَائِعِ ... اهــ.
وقد ذكر أبو عبد الله الزركشي في كتابه "البحر المحيط في أصول الفقه" أوجه تفضيل هذه الشريعة على ما سبقها من الشرائع فقال: اخْتَصَّتْ شَرِيعَتُنَا حَتَّى صَارَتْ أَفْضَلَ الشَّرَائِعِ وَأَتَمَّهَا؟ قُلْت: بِخَصَائِصَ عَدِيدَةٍ:

مِنْهَا: نِسْبَتُهَا إلَى رَسُولِهَا، وَهُوَ أَفْضَلُ الرُّسُلِ.
وَمِنْهَا: نِسْبَتُهَا إلَى كِتَابِهَا، وَهُوَ أَفْضَلُ الْكُتُبِ.
وَمِنْهَا اسْتِجْمَاعُهَا لِمُهِمَّاتِ الْمَصَالِحِ وَتَتِمَّاتِهَا، وَلَعَلَّ الشَّرَائِعَ قَبْلَهَا إنَّمَا انْبَنَتْ عَلَى الْمُهِمَّاتِ، وَهَذِهِ جَمَعَتْ الْمُهِمَّاتِ وَالتَّتِمَّاتِ، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بُعِثْت لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» «وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا» إلَى قَوْلِهِ: «فَكُنْتُ أَنَا تِلْكَ اللَّبِنَةُ» يُرِيدُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَجْرَى عَلَى يَدِهِ وَصْفَ الْكَمَالِ، وَنُكْتَةَ التَّمَامِ. اهـ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني