الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

لماذا رب العالمين هداني وعلمني ورزقني طلب العلم، وأنا الآن أعصيه؟ ألا يقيم الحجة علي يوم القيامة حيث الآن أقول يا ليتني بقيت عاميا فلو كنت جاهلا لكان حسابي أسهل؟ وأرى بعض الناس أفضل مني على جهلهم ولكن الله لم يرزقهم طلب العلم ولا قيام الليل ومنغمسون في الدنيا، وعلمهم قليل وحسابهم قليل، وعلمي يكثر وحسابي يكثر، وأعرف أنني إذا توقفت عن العلم فإن هذا من الشيطان، ولكن رسائل الله لي كثرت وذنوبي أيضا كثرت، وأنا أستعين بالله على طاعته وعدم معصيته، ولكنني مفتون بمعصية وعندي إحساس أنني إذا تخلصت منها بفضل الله ونجحت فيها فإن الله سيفتح علي كثيرا، لذلك أصبح يراودني إحساس أن الله تركني ليرى هل أستطيع أن أتخطاها أم لا؟ ومن ثم فالرفعة أو العقاب؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فههنا أمور:

أولا: إياك أن تركن إلى نفسك أو تعتقد أن الهدى من قِبَلِها، وإنما توكل على ربك تعالى، واعتمد عليه في هدايتك آخذا بأسباب الاستقامة من صحبة الصالحين، والإكثار من الذكر والدعاء، معلقا قلبك بالله تعالى، عالما أنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

ثانيا: اعلم أن العلم في نفسه عبادة مقربة إلى الله تعالى، وهو محبوب له سبحانه، فإياك والتخاذل عن طلب العلم أو التكاسل فيه، فإنه لا يهدي إلى الله والقيام بحقه شيء مثل العلم به سبحانه.

ثالثا: اعلم أن العلم الحقيقي هو ما عمل به صاحبه، فليس العلم عن كثرة الرواية، وإنما العلم الخشية، كما قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ {فاطر:28}.

فاجتهد في العمل بعلمك، فإن هذا العلم الذي يعمل به صاحبه هو العلم النافع؛ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله علما نافعا، والعلم بالله وبأسمائه وصفاته ووعده ووعيده هو أشرف العلم، وهو يورث خشيته والخوف منه ولا بد.

رابعا: اعرف فضل الله عليك بما علمك من العلم، واجتهد في الدعوة إليه، فإن الدعوة إلى الله هي وظيفة المرسلين وخواص الخلق، وهي من أعظم ما يعين على الثبات والاستقامة.

خامسا: اعلم أن لله تعالى فيما يقدره ويقضيه حكما بالغة قد تعجز العقول عن إدراكها، ومن ذلك تقديره المعاصي على بني آدم، فما ابتلاك الله بالمعصية إلا لما له في ذلك من الحكمة، وانظر لبيان بعض تلك الأسرار الفتوى رقم: 179915.

سادسا: بادر إلى التوبة من تلك المعصية ومن سائر المعاصي، فإن أغواك الشيطان وعدت إليها، فلا تيأس من رحمة الله تعالى، ولا تمل من تكرار التوبة، واستحضر قول الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.

وراجع الفتوى رقم: 73937.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني