الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرؤى المكروهة وعلاقتها بالقضاء وهل يمكن دفع ضررها؟

السؤال

هل الرؤى والأحلام وما كتب الله في الرؤى من خير أو شر، سواء كانت الرؤى تتعلق بأمور الدنيا أم بأمور الآخرة يعد من القضاء المبرم أم المعلق؟ وهل من سبيل لصرف شر الرؤى؟، وفي سؤالي رقم: 2672546، ذكرتم أن الشقاء والسعادة قضاء مبرم، وقد قرأت سابقا أن من الصحابة من كان يدعو بهذا الدعاء: اللهم إن كنت من أهل الشقاء فامحه واكتبني من أهل السعادة، فكيف يدعون وهو قضاء مبرم؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالرؤى وما يترتب عليها شأنها شأن غيرها مما يجري على العبد، فكله بقضاء الله تعالى وقدره، وقد ذكرنا لك قبل ذلك أنّ القضاء قسمان: قضاء مبرم، وقضاء معلق، فالقضاء المبرم الذي في اللوح المحفوظ، وهو ثابت لا يتغير، والقضاء المعلق الذي في صحف الملائكة فقد يتغير بإذن الله تعالى، وعلى هذا فيحمل دعاء: اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحني واكتبني سعيداً، على أنّ هذه الكتابة في صحف الملائكة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الرزق نوعان:

أحدهما: ما علمه الله أنه يرزقه، فهذا لا يتغير.

والثاني: ما كتبه وأعلم به الملائكة، فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب، فإن العبد يأمر الله الملائكة أن تكتب له رزقا وإن وصل رحمه زاده الله على ذلك، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه ـ وكذلك عمر داود زاد ستين سنة فجعله الله مائة بعد أن كان أربعين، ومن هذا الباب قول عمر: اللهم إن كنت كتبتني شقيا فامحني واكتبني سعيدا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت.

واعلم أنّه لا سبيل للعبد إلى معرفة القضاء المبرم والقضاء المعلق قبل وقوعه، ولكن عليه أن يأخذ بالأسباب ويدعو الله عز وجل، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 95774.

ومن رأى في المنام شيئاً يكرهه، فإنّه ينفث عن يساره ويتعوذ بالله من الشيطان ثلاثاً ولا يحدّث بها أحداً، فلا تضره الرؤيا بإذن الله تعالى، ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلاَ يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ.

وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم حلما يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثا، وليتعوذ بالله من شرها، فإنها لن تضره.

قال النووي رحمه الله: معناه أن الله تعالى جعل هذا سببا لسلامته من مكروه يترتب عليها، كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببا لدفع البلاء، فينبغي أن يجمع بين هذه الروايات ويعمل بها كلها، فإذا رأى ما يكرهه نفث عن يساره ثلاثا قائلا: أعوذ بالله من الشيطان ومن شرها وليتحول إلى جنبه الآخر وليصل ركعتين فيكون قد عمل بجميع الروايات، وإن اقتصر على بعضها أجزأه في دفع ضررها ـ بإذن الله تعالى ـ كما صرحت به الأحاديث.

وننبه السائل إلى أنّ التعمق في السؤال مذموم لا سيما فيما يتعلق بالقدر، فينبغي الاشتغال بما ينفع، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ واصفا حال الصحابة رضي الله عنهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولكن إنما كانوا يسألونه عما ينفعهم من الواقعات، ولم يكونوا يسألونه عن المقدرات والأغلوطات وعضل المسائل، ولم يكونوا يشتغلون بتفريع المسائل وتوليدها، بل كانت هممهم مقصورة على تنفيذ ما أمرهم به، فإذا وقع بهم أمر سألوا عنه فأجابهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني