الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عقوق الوالدين من أكبر الكبائر

السؤال

لو عق الابن أبويه، ومات على ذلك، لكنه كان زاهدًا، كثير الصيام، والصلاة، والصدقة، والقيام، والذكر، وقراءة القرآن، وقليل المعاصي، فإذا غلبت حسناته على سيئاته في الميزان، فهل يدخل الجنة؟ لأني سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه، وآله وسلم: "ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر على أهله الخبث"، ولفظ التحريم ذكر في القرآن على المشركين في سورة المائدة: "إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار"، فهل نقول: إن العقوق يخلد صاحبه في النار، كالشرك؟ هل يبطل الأعمال في الدنيا؟ لأن ما ألفته أن ما لا يصلح معه عمل هو الشرك، إلا إني سمعت حديثًا آخر: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاثة لا ينفع معهن عمل: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف"، فأصبحت لا أستبعد أن يكون العقوق كالشرك، فقد وصى الله به بعد توحيد العباد له مباشرة في القرآن، وإذا لم يبطل العمل في الدنيا، فربما يحبط الأعمال في الآخرة؟ فكيف يحاسب الله عليه في الآخرة؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا ريب أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، كما في الصحيح من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثًا؟ قالوا: بلى -يا رسول الله-، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين. الحديث.

وعقيدة أهل السنة في أصحاب الكبائر إن ماتوا مصرين عليها، أنهم تحت المشيئة: إن شاء الله عذبهم، وإن شاء غفر لهم، وليسوا مشركين مخلدين في النار.

والأحاديث التي ظاهرها خلاف هذا، متأولة عند أهل العلم بما يوافق النصوص الأخرى، القاضية بعدم خلود أحد من أهل التوحيد في النار، والحديث الذي ذكرته: ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة، حديث صحيح، رواه أحمد في مسنده.

قال المناوي في شرحه: وهؤلاء الثلاثة إن استحلوا ذلك، فهم كفار، والجنة حرام على الكفار أبدًا، وإن لم يستحلوا، فالمراد بتحريمها عليهم منعهم من دخولها قبل التطهير بالنار، فإذا تطهروا بها أدخلوها. انتهى.

وأما الحديث الآخر الذي ذكرته، وهو: ثلاثة لا ينفع معهن عمل. فقد حكم عليه الألباني بأنه ضعيف جدًّا.

وعلى تقدير ثبوته؛ فهو متأول بنحو ما يتأول به أمثاله من النصوص، فيحمل على عدم النفع المقيد بوقت، أو نحو ذلك.

والحاصل أن العاق ليس حكمه حكم المشركين، وأنه تحت مشيئة الله تعالى، شأنه شأن أصحاب الكبائر، وأنه متوعد بأشد الوعيد -عياذًا بالله-.

وقد سبقت لنا فتاوى كثيرة في شأن أصحاب الكبائر، ومصيرهم في الآخرة، وما ورد في حقهم من النصوص، وكيفية تأويلها عند أهل السنة، انظر منها الفتاوى التالية أرقامها: 278866، 31033، 140058.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني