الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

غرامة التأخير عن سداد الدين... رؤية شرعية

السؤال

بخصوص اشتراط بعض الحكومات شروطا ربوية في عقودها؛ كما في اشتراطها الحصول على زيادة مقدرة، عند تأخر المتعامل معها في شراء قطعة أرض مثلا، عن سداد بعض الأقساط.
هل يمكن أن يقال بجواز تعامل أفراد الشعب بهذه العقود معها -رغم وجود مثل هذا الشرط- انطلاقا من عموم البلوى، وأن في منعهم من هذا سدا لباب انتفاعهم بالكلية، مما هو حق مشروع لهم؟
نفع الله بعلمكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا نعلم أحدا من أهل العلم أباح اشتراط غرامة التأخير، إذا كانت مفروضة من جهة حكومية، هكذا بإطلاق. وإن كان بعضهم يرى أن هذه الغرامات يمكن حينئذ تكييفها على أنها عقوبة تعزيرية من ولي الأمر! وهذا يمكن تصوره إذا كانت الغرامة تختلف بحسب حال المتعاقد، وتفرق بين المعسر والمماطل، ولكن هذا غير معمول به فيما نعلم. وبالتالي، يبطل هذا التكييف. ويبقى الأمر على حاله، في كون غرامة التأخر عن سداد الدين، نوعا من ربا الجاهلية.
قال الدكتور القرة داغي في تأصيله لغرامة التأخير: الخلاصة أن اشتراط شرط في عقود المرابحات والالتزامات الدينية الآجلة، ينص على إلزام المدين بدفع مبلغ محدد، أو نسبة من الدين، أو نسبة حسب أرباح ودائع البنك .. شرط فاسد، لا يجوز ارتكابه، ولا يجوز للبنوك الإسلامية أن تقدم عليه؛ لأنه بهذا العمل تقترب تماماً من البنوك الربوية؛ فالربا الجاهلي المجمع على حرمته، فسره العلماء بقريب مما ذكر، بل بمثله، فقد قال قتادة وغيره في تفسير قوله تعالى: {وحرم الربا}: "إن ربا الجاهلية أن يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى، فإذا حلّ الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء، زاد وأخر". وذكر الجصاص أن العرب لم يكونوا يعرفون البيع بالنقد، "فأخبر الله تعالى أن تلك الزيادة المشروطة، إنما كانت ربا في المال المعين، لأنه لا عوض لها من جهة المقرض". ولا خلاف بين الفقهاء في أن اشتراط الزيادة على الدين غير الربوي، يجعل الدين ربوياً. يقول الجصاص: "ولا خلاف أنه لو كان عليه ألف درهم، فقال له: أجلني وأزيدك فيها مائة درهم، لا يجوز؛ لأن المائة عوض عن الأجل". وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحد، ونقل ابن عبد البر عن مالك عن زيد أسلم أنه قال: "كان الربا في الجاهلية: أن يكون للرجل الحق إلى أجل، فإذا حل الأجل، قال: أتقضي أم تربي؟ فإن قضى أخذ، وإلاّ زاده في حقه، وأخر عنه في الأجل". ثم ذكر ابن عبد البر أن المعنى الجامع الذي حرم لأجله الربا، هو أن يكون بإزاء الأمد الزائد بدل وعوض، يزداده الذي يزيد في الأجل".

فالخلاصة أنه لا خلاف يعتد به بين المعاصرين في عدم جواز اشتراط الشرط الجزائي في الديون، كما لا خلاف بين فقهاء السلف في ذلك.

يقول الحطاب: "إذا التزم المدعى عليه، للمدعي، أنه إذا لم يوفه في كذا، فله عليه كذا وكذا، فهذا لا يختلف في بطلانه؛ لأنه صريح الربا، وسواء كان الشيء الملتزم به من جنس الدين أو غيره، وسواء كان شيئاً معيناً أو منفعة، وحكم به بعض قضاة المالكية الفضلاء، بموجب الالتزام، وما أظن ذلك إلاّ غفلة منه".

وهذا ما عليه المجامع الفقهية، والندوات والحلقات الفقهية والاقتصادية، حيث صدرت منها قرارات وفتاوى وتوصيات. اهـ.

وانظر الفتوى رقم: 265399.
وهذا من حيث العموم، ويبقى النظر في الأحوال الخاصة بكل مكلف، واعتبار حال الضرورة أو الحاجة المنزلة منزلتها، واستجلاب التيسير بلحوق المشقة المعتبرة شرعا. ومثل هذه الأحوال، لا تعمم من أجلها الفتوى بالجواز.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني