الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام من أكل حراما دون أن يعلم، وهل يضمن؟

السؤال

بالنسبة للمال الحرام: لو علم الشخص أنه قد أكل عند شخص ماله حرام، أو فيه شبهة، أو علم أنه أكل مالا حراما، أو أن أباه قد تعامل بالربا، أو بعض التعاملات التي فيها حرام، وأكل بالفعل من هذا المال، ولبس.
كيف يتم تطهير الشخص من هذا؟ وهل ينطبق عليه الحديث: كل جسم نبت من سحت، فالنار أولى به؟
يعني شخص أكل حراما، ولم يعلم أنه أكل إلا بعد سنة مثلا.
كيف يطهر نفسه من هذا الحرام؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما دام أكل أو لبس وهو جاهل بحقيقة هذا المال، فلا مجال لتأثيمه، فضلا عن أن يكون لحمه نبت من سحت، والنار أولى به! هذا أولا.
وثانيا: مجرد الظن لا يغني من الحق شيئا، والأصل فيما بيد المسلم الحل لا الحرمة، حتى يثبت العكس، وعدم العلم بما يخالف هذا الأصل، كافٍ في حل معاملته، والأكل من ماله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الأصل فيما بيد المسلم أن يكون ملكا له إن ادعى أنه ملكه ... فإذا لم أعلم حال ذلك المال الذي بيده بنيت الأمر على الأصل، ثم إن كان ذلك الدرهم في نفس الأمر قد غصبه هو ولم أعلم أنا، كنت جاهلا بذلك، والمجهول كالمعدوم ...

وأما المسلم المستور، فلا شبهة في معاملته أصلا، ومن ترك معاملته ورعا، كان قد ابتدع في الدين بدعة ما أنزل الله بها من سلطان. اهـ.
وثالثا: هناك فرق بين معاملة حائز المال الحرام في عين الحرام، وبين معاملته في سائر ماله، فالذي فيه الحرج هو معاملته في عين الحرام، وأما بقية ماله فلا تحرم معاملته فيها، على الراجح، وراجع في تفصيل ذلك، الفتوى رقم: 6880.
ورابعا: في حال العلم بأن ما تم أكله هو عين المال الحرام، فإنه ينظر في سبب حرمته، فإن تعلق به حق أحد كالمسروق والمغصوب، والمأخوذ ظلما وقهرا، فإن حق صاحبه لا يضيع، بل يجب رد مثله إليه، فإن لم يكن له مثل، فقيمته. ولكن هذا إنما يجب على من ظلمه، لا على من أكل المال جاهلا بحاله، على الراجح من قولي أهل العلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الغصب وأنواعه، والسرقة والخيانة، داخل في الظلم. وإذا كان كذلك، فهذا المظلوم الذي أخذ ماله بغير حق ببيع أو أجرة، وأخذ منه، والمشتري لا يعلم بذلك، ثم ينقل من المشتري إلى غيره، ثم إلى غيره، ويعلم أن أولئك لم يظلموه، وإنما ظالمه من اعتدى عليه؛ ولكن لو علم بهم. فهل له مطالبتهم بما لم يلتزموا ضمانه؟ على قولين للعلماء. أصحهما أنه ليس له ذلك ... ولو أطعم المال لضيف لم يعلم بالظلم، ثم علم المالك فهل له مطالبة الضيف؟ على قولين؛ أحدهما: ليس له مطالبته. ومن قال: إن له مطالبته، لا يقول إن أكله حرام؛ بل يقول: لا إثم عليه في أكله؛ وإنما عليه أداء ثمنه، بمنزلة ما اشتراه. وصاحب القول الصحيح يقول: لا إثم عليه في أكله، ولا غرم عليه لصاحبه بحال، وإنما الغرم على الغاصب الظالم الذي أخذه منه بغير حق. اهـ.
وخامسا: من أهل العلم من يقول: إن المال الحرام بسبب طريقة كسبه لا لذاته، لا يحرم إلا على مكتسبه فقط، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 273013.

وسؤال السائل إنما هو عن هذا النوع (المحرم لطريقة كسبه، لا لذاته). وانظر للفائدة، الفتوى رقم: 191045.
وبما تقدم يعرف أن الشخص الذي أكل حراما دون أن يدري، فلا إثم عليه قولا واحدا، وكذلك لا ضمان عليه، ولا يلزمه شيء حتى ولو تعلق بهذا الطعام حق لأحد، على الراجح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني