الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الأفضل الدعاء على الظالمين أم الدعاء لهم بالهداية؟

السؤال

تحدثت أنا وصديقي في موضوع يخص الأمة والدين، وفي آخر النقاش قال صديقي: نسأل الله أن يهلك الظالمين. فقلت: لماذا؟ فلنقل: نسأل الله أن يهدي الظالمين، فاختلفنا في الأمر، فهل يجوز أن ندعو للظالمين بالهداية؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يجب على المسلم أن يدعو بالهداية للظالمين، والذي جاءت به الشريعة هو استحباب الاستغفار للمسلمين والمسلمات، والحرص على هداية الخلق.

وقد كان من شدة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هدايتهم، أنه يتحسر على عدم استجابتهم، ويحزن عليهم، فقال الله له: فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ {فاطر:8}، وقال له: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ {الكهف:6}، أي: قاتل نفسك.

كما جاءت الشريعة أيضًا بجواز دعاء المظلوم على ظالمه، ولو كان الظالم مسلمًا؛ لأن الدعاء على الظالم يعتبر من الاقتصاص المباح.

ولا شك أن الصبر والعفو عنه أفضل، فقد قال تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40}.

فأباح في الآية الأولى المجازاة للظالم المسيء بالمثل، ورغب في العفو، والصبر بعد ذلك، ويروى عن الإمام أحمد أنه قال: الدعاء قصاص، فمن دعا فما صبر. كذا في مطالب أولي النهي للشيخ مصطفى الرحيباني.

وقد ذكر بعض أهل العلم أن الأفضل عدم الدعاء على الظالم، إن لم يكن ظلمه عامًّا

وأما إذا عم ظلمه، فالأفضل الدعاء عليه؛ ليكف الله بأسه عن الأمة.

فإذا دعا على الظالم، فيشترط ألا يعتدي في دعائه، وانظر الفتوى رقم: 190105.

فإذا تقرر أن الصبر، والعفو هو الأفضل في حق الظالم، إن لم يكن ظلمه عامًّا، فيقال جوابًا على سؤالك:

إن الدعاء له بالهداية هو الأفضل، ويدل لذلك قوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ {النحل :126}، وقال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43}، والآيات في هذا المعنى كثيرة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر: يَا عُقبَةَ بنَ عَامِر، صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّن ظَلَمَكَ. رواه أحمد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: فالأفضل أن لا يدعو على الظالم، بل يسأل الله له الهداية، وأن يرده إلى الصواب، وأن يعطيه حقه.

فإن دعا عليه، فلا حرج على قدر مظلمته، وإذا رأى أنه أصيب بما دعا به، فهذه علامة أنها أجيبت دعوته، إذا دعا عليه أن الله جل وعلا يصيبه في كذا في ولده في ماله، في سيارته، يتبين له إذا وقعت حادثة حوادث.

لكن ننصحه في مثل هذا أن لا يدعو على الظالم، بل يدعو الله له الهداية، ويسأل ربه أن الله يعوضه عما ظلمه، وأن الله يهدي الظالم حتى يعطيه حقه؛ لأن الدعاء عليه نوع انتصار، نوع من الانتصار، نوع من القصاص، فالأفضل ألا يدعو عليه، ولكن يدعو له بالهداية، وأن الله يرده إلى الصواب، وأن الله يهديه حتى يرد إليه حقه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني