الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترهيب من تعمد إضحاك المصلي

السؤال

هل تعمد إضحاك المصلي بالكلام من الكبائر لما فيه عدم مراعاة للصلاة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا ريب في حرمة تعمد إضحاك المصلي؛ لما في ذلك من انتهاك حرمة الصلاة، وفتنة المصلي، وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن حكم أن يشغل المصلي، وهو يؤدي صلاته بكلام مضحك وغيره عمدا ... ؟

فأجابت: لا يجوز تعمد إشغال المصلي عن صلاته بكلام ولا غيره، حتى إن القارئ للقرآن لا يرفع صوته بالقراءة؛ حتى لا يشغل من يصلي بجانبه، ففي الحديث عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذي بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة". اهـ.
وهذا وجه ظاهر في الاستدلال على حرمة هذا الفعل الشنيع، ولذلك علق الحافظ ابن عبد البر على حديث أبي سعيد فقال في التمهيد: وإذا لم يجز للتالي المصلي رفع صوته لئلا يغلط ويخلط على مصل إلى جنبه، فالحديث في المسجد مما يخلط على المصلي أولى بذلك وألزم وأمنع وأحرم، والله أعلم. وإذا نهي المسلم عن أذى أخيه المسلم في عمل البر وتلاوة الكتاب، فأذاه في غير ذلك أشد تحريما. اهـ.

وعلق عليه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: فإذا كان قد نهى المصلي أن يجهر على المصلي، فكيف بغيره؟ ومن فعل ما يشوش به على أهل المسجد، أو فعل ما يفضي إلى ذلك، منع من ذلك. اهـ.

ومما يستفاد منه هذا الحكم أيضا: قياس الأولى على المرور بين المصلي وسترته، فقد سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- من تعمد فعل ذلك شيطانا، فقال: إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه. فإن أبى فليقاتله. فإنما هو شيطان. متفق عليه.

قال ابن دقيق العيد، وتبعه ابن العطار، كلاهما في شرح عمدة الأحكام: في الحديث دليل على جواز إطلاق لفظ الشيطان في مثل هذا. اهـ.
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: "فإنما هو شيطان" يريد أنه فعل فعل الشيطان في أنه شغل قلب المصلي عن مناجاة ربه والإخلاص له، كما يخطر الشيطان بين المرء ونفسه في الصلاة، فيذكره ما لم يذكر ليشغله عن مناجاة ربه، ويخلط عليه صلاته. وفيه: أنه يجوز أن يقال للرجل إذا فتن في الدين: شيطان، ولا عقوبة على من قال له ذلك. اهـ.

وتبعه على ذلك الشراح، كابن العربي في شرح موطأ مالك، والعيني والكرماني كلاهما في شرح صحيح البخاري. وقال الكرماني، وتبعه المظهري، كلاهما في شرح مصابيح السنة: تشويش المصلي فعل الشيطان. اهـ.
وقال ابن أبي جمرة في شرح مختصر صحيح البخاري (1/198): فسَّق المتعدي عليه حتى جعله شيطانا. اهـ.
والحكم بالفسق ووصفه بالشيطان يمكن أن يستفاد منه الحكم بأن تعمد مثل ذلك يدخل في حد الكبيرة، ولكن لم نر من أهل العلم من نص على ذلك، وهو محتمل؛ فإن أمر الصلاة عظيم، حتى لا يلقي السلام على المصلي، فكيف بمن تعمد إضحاكه؟!! وقد سلم ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فلم يرد عليه، ثم علل ذلك بقوله: إن في الصلاة لشغلا. رواه البخاري. قال ابن عبد البر في الاستذكار: هذا الحديث إنما فيه كراهية السلام على المصلي. اهـ.

وقد أطلق بعض أهل العلم وصف الكبيرة على المرور بين يدي المصلي، كما قال العيني في شرح البخاري: المرور بين يدي المصلي من الكبائر. اهـ.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار: الحديث يدل على أن المرور بين يدي المصلي من الكبائر الموجبة للنار، وظاهره عدم الفرق بين صلاة الفريضة والنافلة. اهـ.

والفتنة والتشويش الحاصل للمصلي بسبب تعمد إضحاكه، أكبر من مجرد المرور بين يديه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني