الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العذر بالجهل في الشرك الأكبر

السؤال

قلتم في الفتوى: (387931): فإذا كان الأمر كما يصف السائل من أن هؤلاء يرتكبون الشرك عند هذه الأضرحة، والزوايا، فلا يجوز نقلهم إليها، ويعد ذلك معصية، لكن الحكم بكفر الناقل لمجرد أنه نقل هؤلاء الناس لمواسم شركية، لا يصح؛ فإن الإعانة على الكفر إنما تكون كفرًا، إذا رضي به المعين، أو أحبه، أو استحسنه.
فأسأل: هل يلزم شرعًا أن أبحث في سيرة الرجل؛ لأنه جدّي؛ حتى أتأكد من خلوه مما ذكرتموه في الأخير من رضى، أو حب، أو استحسان، بأن أسأل عمتي مثلًا؟ أم إن الأمر على ظاهره بأنهم دفنوه، وصلوا عليه صلاة الجنازة، وأترك الأمر على استصحاب إسلام جدي؟ ذلك أنه قد تكون هناك أشياء أو أمور تخفى على الأقرباء، لا يعلم بها إلا هو؛ إذ إن التكفير -كما أعلم- أصعب مما يظن البعض، هذا أوّلًا.
ثانيًا: ما حكم من يعتقد إسلام من وقع في الشرك الاكبر، وعذره بالجهل، وأن الحكم بكفره يلزم إقامة الحجة عليه، هل هو كافر أم لا؟ لأنني سمعت للفوزان، وغيره أن الحجة قائمة بالقرآن، ومن بلغه القرآن، فقد بلغته الحجة، وأن العذر بالجهل لا يكون في الشرك الأكبر. والحقيقة أنني أتبنى قول ابن عثيمين، والألباني في اشتراط قيام الحجة قبل تكفيرهم، وأننا نترحم على جهالهم، لا على من قامت عليه الحجة، فهل عليَّ إثم إن تبنيت هذا القول؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالحق هو معاملة جدك باعتباره مات مسلمًا، فتترحم عليه، وتدعو له، وتصله بأعمال البر، والتصدق عنه؛ فقد تقرر في الشريعة أن من ثبت إسلامه بيقين، فإنه لا يزول بالشك، وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان.

ولا يحكم بكفر المعين إلا إذا توفرت فيه شروط التكفير، وانتفت عنه موانعه، وقد سبق لنا بيان ذلك، وبيان ضوابط التكفير، وخطر الكلام فيه، وأنه ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، وذلك في الفتاوى: 721، 53835، 65312.

وأما بالنسبة لقول الشيخ ابن عثيمين، وغيره من أهل العلم في مسألة العذر بالجهل في مسائل الاعتقاد، فهو بلا ريب قول معتبر، لا حرج في الأخذ به، بل هو القول الراجح الذي تدل عليه الأدلة، وللشيخ - رحمه الله - جواب محقق، فصَّل فيه القول في مسألة العذر بالجهل، حيث سُئِل – رحمه الله - عن العذر بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة؟ فأجاب بقوله:

الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، وربما يكون اختلافًا لفظيًّا في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين، أي إن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر، أو هذا الفعل كفر، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين؛ لقيام المقتضي في حقه وانتفاء المانع، أو لا ينطبق؛ لفوات بعض المقتضيات، أو وجود بعض الموانع، وذلك أن الجهل بالمكفر على نوعين:

ـ الأول: أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام، أو لا يدين بشيء، ولم يكن يخطر بباله أن دينًا يخالف ما هو عليه، فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله تعالى، والقول الراجح أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله عز وجل - والله أعلم بما كانوا عاملين، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب؛ لقوله تعالى: (ولا يظلم ربك أحدًا) ...

ـ النوع الثاني: أن يكون من شخص يدين بالإسلام، ولكنه عاش على هذا المكفّر، ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبهه أحد على ذلك، فهذا تجرى عليه أحكام الإسلام ظاهرًا، أما في الآخرة فأمره إلى الله عز وجل، وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وأقوال أهل العلم. اهـ.

ثم فصل في الجواب تفصيلًا حسنًا. وراجع في مسألة العذر بالجهل في الشرك الأكبر وإقامة الحجة، الفتوى: 273493.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني