الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فرار المرء من أقرب الناس إليه عام في حامل القرآن وغيره

السؤال

ما صحة هذا القول: "يوم يفر المرء من أخيه" قيل: إلا حامل القرآن، يذهب لأمه وأبيه ليلبسهما تاج الكرامة.
من قال هذه العبارة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقوله تعالى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ {عبس:34}،الآيات. عام في حامل القرآن وغيره، بل الرسل -وهم أكرم الخلق على الله- يشتغلون يومئذ بأنفسهم، ولا يلوون على غيرهم حين تطلب منهم الشفاعة، فيكون محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي يتصدى لها.

قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ: أَيْ يَرَاهُمْ وَيَفِرُّ مِنْهُمْ وَيَبْتَعِدُ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْهَوْلَ عَظِيمٌ وَالْخَطْبَ جَلِيلٌ.

ثم ذكر أثرا عن عكرمة، ثم قال: وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي أَمْرِ الشَّفَاعَةِ أَنَّهُ إِذَا طُلِبَ إِلَى كُلٍّ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ أَنْ يَشْفَعَ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْخَلَائِقِ، يَقُولُ: نَفْسِي، نَفْسِي، لَا أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، حَتَّى إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ يَقُولُ: لَا أَسْأَلُهُ الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، لَا أَسْأَلُهُ مَرْيَمَ الَّتِي وَلَدَتْنِي، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ. قَالَ قَتَادَةُ: الْأَحَبُّ فَالْأَحَبُّ، وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. انتهى.

والقيامة مواقف جمة، فما جاء من كون القرآن يلقى صاحبه فيلبسه تاج الوقار، ويلبس والداه حلتين... إلخ. يكون في موقف غير هذا من مواقف القيامة المتعددة، وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله: وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بيمينه، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يَقُومُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا. فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ ولدكما القرآن، ثم يقال له: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ، هَذًّا كَان أو ترتيلا.

قال ابن كثير: هذا إسناد حسن على شرط مسلم. اهـ.

وأما العبارة المذكورة، والتفصيل الوارد في السؤال، فلم نجد من ذكره، ولا من نص عليه من أهل العلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني