الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تتعدد الكفارة بتعدد الأيمان؟

السؤال

أريد معرفة هل علي كفارة في هذا الحلف؟
مثلا لو رأيت شخصا يحاول اختراق جدار فولاذي بمسدد مياه، فقلت له: والله لن تنجح في هذا أبدا. هل علي كفارة؟
وإذا كررت نفس الجملة، في نفس المجلس، عدة مرات. هل لكل واحدة كفارة؟
واذا عممت الموضوع على هذا النحو. هل كل موقف يشبهه سيندرج في حكمه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف العلماء في انعقاد مثل هذه اليمين التي يحلفها المرء على أمر مستقبلي، يظن صدق نفسه، فجمهور العلماء على أنها يمين منعقدة، تجب فيها الكفارة، وخالف شيخ الإسلام ابن تيمية، فرأى أن من حلف على مستقبل يظن صدق نفسه، ثم تبين خلافه، فإنه لا يحنث، والأحوط التكفير، كما هو مذهب الجمهور. وانظر الفتوى رقم: 70643.

وأما تعدد الكفارات بتعدد الأيمان: فإن كانت على جنس واحد، كأن حلفت عدة مرات بقولك: (والله لن تنجح في هذا أبدا) فإنه تجب عليك كفارة واحدة في تلك الأيمان.

جاء في المغني لابن قدامة: وجملته أنه إذا حلف بجميع هذه الأشياء التي ذكرها الخرقي، وما يقوم مقامها، أو كرر اليمين على شيء واحد، مثل إن قال: والله لأغزون قريشا، والله لأغزون قريشا، والله لأغزون قريشا. فحنث، فليس عليه إلا كفارة واحدة. روي نحو هذا عن ابن عمر. وبه قال الحسن، وعروة، وإسحاق. وروي أيضا عن عطاء، وعكرمة، والنخعي، وحماد، والأوزاعي.

وقال أبو عبيد، فيمن قال: علي عهد الله وميثاقه وكفالته. ثم حنث: فعليه ثلاث كفارات.

وقال أصحاب الرأي: عليه بكل يمين كفارة، إلا أن يريد التأكيد والتفهيم. ونحوه عن الثوري، وأبي ثور. وعن الشافعي قولان، كالمذهبين. وعن عمرو بن دينار، إن كان في مجلس واحد كقولنا، وإن كان في مجالس كقولهم.

واحتجوا بأن أسباب الكفارات تكررت، فتكرر الكفارات، كالقتل لآدمي، وصيد حرمي. ولأن اليمين الثانية مثل الأولى، فتقتضي ما تقتضيه.

ولنا، أنه حنث واحد، أوجب جنسا واحدا من الكفارات، فلم يجب به أكثر من كفارة، كما لو قصد التأكيد والتفهيم. وقولهم: إنها أسباب تكررت. لا نسلمه؛ فإن السبب الحنث، وهو واحد.اهـ.

وأما إن كانت الأيمان على أجناس متعددة، فإنه تلزمك لكل يمين منها كفارة عند جمهور العلماء، وقيل: بل كفارة واحدة -إن حنثت في الجميع قبل التكفير-

جاء في المغني لابن قدامة: وإن حلف أيمانا على أجناس، فقال: والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست. فحنث في واحدة منها، فعليه كفارة، فإن أخرجها ثم حنث في يمين أخرى، لزمته كفارة أخرى. لا نعلم في هذا أيضا خلافا؛ لأن الحنث في الثانية تجب به الكفارة بعد أن كفر عن الأولى، فأشبه ما لو وطئ في رمضان فكفر، ثم وطئ مرة أخرى.
وإن حنث في الجميع قبل التكفير، فعليه في كل يمين كفارة. هذا ظاهر كلام الخرقي. ورواه المروذي عن أحمد. وهو قول أكثر أهل العلم.

وقال أبو بكر: تجزئه كفارة واحدة. ورواها ابن منصور عن أحمد. قال القاضي: وهي الصحيحة. وقال أبو بكر: ما نقله المروذي عن أحمد، قول لأبي عبد الله، ومذهبه أن كفارة واحدة تجزئه. وهو قول إسحاق؛ لأنها كفارات من جنس، فتداخلت، كالحدود من جنس، وإن اختلفت محالها، بأن يسرق من جماعة، أو يزني بنساء.

ولنا، أنهن أيمان لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى، فلم تتكفر إحداهما بكفارة الأخرى، كما لو كفر عن إحداهما قبل الحنث في الأخرى، وكالأيمان المختلفة الكفارة، وبهذا فارق الأيمان على شيء واحد؛ فإنه متى حنث في إحداهما كان حانثا في الأخرى، فإن كان الحنث واحدا، كانت الكفارة واحدة، وها هنا تعدد الحنث، فتعددت الكفارات، وفارق الحدود؛ فإنها وجبت للزجر، وتندرئ بالشبهات، بخلاف مسألتنا. اهـ.

وراجع الفتوى: 268408.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني